كتاب لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية (اسم الجزء: 1)

بما هو مملوك الإنسان فيأكله فيكون لفظ الرزق مجازًا عما تأكله الدواب فيلزم ألا تكون كل دابة مرزوقة على سبيل الحقيقة لأنا نقول هذا التأويل مخالفًا لظاهر القرآن وهو خلاف المتعارف في اللغة، فلا يرتكب من غير ضرورة، ثم إن تفسيرهم الرزق بذلك ليس بمطرد، ولا منعكس لدخول ملك اللَّه تعالى، وخروج رزق الدواب والعبيد والأماء، ويلزمهم أيضا على التأويلين أن من أكل الحرام طول عمره لم يرزقه اللَّه تعالى أصلًا، وهو خلاف الإجماع الحاصل بين الأمة قبل ظهور المعتزلة أن لا رازق إلا اللَّه، وإن استحق العبد الذم واللوم على كل الحرام، والإضافة إلى اللَّه تعالى معتبرة في مفهوم الرزق، وكل أحد مستوف رزق نفسه حلالًا كان أو حرامًا، ولا يتصور أن لا يأكل الإنسان رزقه أو يأكل غير رزقه، لأن ما قدره اللَّه تعالى غذاء الشخص يجب أن يأكله ويمتنع أن يأكل غيره -فعلى كل حال ما ذهب إليه أهل الاعتزال ضرب من المحال (¬1) واللَّه أعلم.
¬__________
(¬1) خلاصة ما ذكره المؤلف -هنا- أن الرزق يشمل الحلال والحرام خلافًا للمعتزلة.
ولابن تيمية رحمه اللَّه تفصيل نفيس ونصه -كما في الفتاوى (8/ 541) وانظر ما بعدها: "والرزق يراد به شيئان: أحدهما بيان ما ينتفع به العبد. والثاني ما يملكه العبد: فالثاني هو المذكور في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} وهذا هو الحلال الذي ملكه اللَّه إياه.
وأما الأول فهو المذكور في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ} الآية وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وأن نفسا" والعبد قد يأكل الحلال والحرام فهو رزق باعتبار الأول لا الثاني. اتنهى.
وفي تعليق للشيخ عبد اللَّه بابطين ما لفظه: "لا ريب أن ما ذكره المؤلف رحمه اللَّه أولى بالصواب، لكن ينبغي أن يعرف أن رزق اللَّه على نوعين:
أحدهما خاص وهو الرزق الحلال للمؤمنين، وهذا هو الرزق النافع الذي لا تبعة فيه كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} وقال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

الصفحة 336