كتاب لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية (اسم الجزء: 2)

والهجرة التي وعد اللَّه عليها الجنة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] (¬1).
فكان الرجل يأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويدع أهله وماله، لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره فالمهاجرون (بنصرهم) للَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وبذلهم نفوسهم النفيسة وخروجهم للَّه تعالى عن ديارهم وأموالهم وأهاليهم لأجل إعلاء كلمة اللَّه في مرضات اللَّه ورسوله إظهار دين اللَّه ونوره الذي أنزله على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ففتح اللَّه به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا (عن ظلمة النار) وغضب المليك الجبار (زحزحوا) أي ابعدوا من زاح يزيح زيحًا وزيوحًا وزيحانًا بعد وذهب كانزاح وأزحته والزوح
¬__________
= هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد اللَّه ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستجاب.
وقال البغوي في شرح السنة: يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى بقوله: "لا هجرة بعد الفتح" أي من مكة إلى المدينة وقوله: "لا تنقطع" أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام "انتهى". راجع فتح الباري (17/ 270) (16/ 46) وشرح السنة للبغوي (10/ 371) وما بعدها.
(¬1) ولم يتضح لي وجه استدلال المؤلف بهذه الآية على الهجرة، والذي ذكره المفسرون أن هذه الآية نزلت في البيعة الثانية وهي بيعة العقبة الكبرى وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند العقبة فقال عبد اللَّه بن رواحة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم، قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: "الجنة" قالوا: ربح البيع لا نقبل ولا نستقيل فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل اللَّه من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يوم القيامة.
انظر: القرطبي (8/ 267)؛ وابن كثير والبغوي (4/ 246 - 247).

الصفحة 87