ولا تُظْهر ولا تُقْطَع كما تُقْطَع أَلف أَمْ ثم يقول الوَجُه أَن لا تثبت الألِف في الكتابة لأَنها ميمٌ جُعِلَتْ بدَل الأَلف واللام للتَّعْريف والظاهر من هذا الكلام أَن الميمَ عِوَض لام التَّعْريف لا غَيْر والأَلفُ على حالِها فكيف تكون الميم عِوَضاً من الألف واللام ؟ ولا حُجَّة بالبيت الذي أَنشده فإن أَلفَ التَّعْريف واللام في قوله والسَّلِمَة لا تظهر في ذلك ولا في قوله وامْسَلِمَة ولولا تشديدُ السين لَما قدر على الإتْيان بالميم في الوزْن لأَنَّ آلةَ التَّعْريف لا يَظْهر منها شيء في قوله والسَّلِمة فلمّا قال وامْسَلِمة احتاج أَن تظهر الميم بخلاف اللام والألف على حالتها في عَدَم الظُّهور في اللفظ خاصَّة وبإظهاره الميم زالت إحْدى السِّينَيْن وخَفَّت الثانية وارْتَفَع التشديدُ فإن كانت الميم عِوَضاً عن الأَلف واللام فلا تثبت الألف ولا اللام وإن كانت عِوَضَ اللام خاصَّة فَثُبوت الألف واجبٌ الجوهري وأَمّا أَمْ مُخَفَّفة فهي حرَف عَطف في الاستفهام ولها مَوْضِعان أحدهُما أنْ تَقَع مُعادِلةً لألِفِ الاستفهام بمعنى أيّ تقول أَزَيْدٌ في الدار أَمْ عَمرو والمعنى أَيُّهما فيها والثاني أَن تكون مُنْقَطِعة مما قبلها خَبراً كان أو استفهاماً تقول في الخَبَر إنها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ يا فتى وذلك إذا نَظَرْت إلى شَخْص فَتَوَهَّمته إبِلاً فقلت ما سبق إليك ثم أَدْرَكك الظنُّ أَنه شاءٌ فانصَرَفْت عن الأَوَّل فقلت أَمْ شاءٌ بمعنى بَلْ لأَنه إضْرابٌ عمَّا كان قبله إلاَّ أَنَّ ما يَقَع بعد بَلْ يَقِين وما بَعْد أَمْ مَظْنون قال ابن بري عند قوله فقلت أمْ شاءٌ بمعنى بَلْ لأَنه إِضْراب عما كان قبله صَوابُه أَنْ يَقول بمعنى بل أَهِيَ شاءٌ فيأْتي بأَلِف الاستفهام التي وَقَع بها الشكُّ قال وتَقول في الاستفهام هل زيد مُنْطَلِق أمْ عَمرو يا فَتى ؟ إنما أَضْرَبْت عن سُؤالك عن انْطِلاق زيدٍ وجعَلْته عن عَمرو فأَمْ معها ظنٌّ واستفهام وإضْراب وأَنشد الأخفش للأخطل كَذَبَتْك عَينُكَ أَمْ رأَيت بِواسِطٍ غَلَسَ الظَّلام من الرَّبابِ خَيالا ؟ وقال في قوله تعالى أَمْ يَقولون افْتراه وهذا لم يكن أَصلهُ استفهاماً وليس قوله أَمْ يَقولون افْتَراهُ شكّاً ولكنَّه قال هذا لِتَقبيح صَنيعِهم ثم قال بل هو الحَقُّ من رَبِّك كأَنه أَراد أَن يُنَبِّه على ما قالوه نحو قولك للرجل الخَيرُ أَحَبُّ إليك أمِ الشرُّ ؟ وأَنتَ تَعْلَم أنه يقول الخير ولكن أَردت أن تُقَبِّح عنده ما صنَع قاله ابن بري ومثله قوله عز وجل أمِ اتَّخَذ ممَّا يَخْلق بَناتٍ وقد عَلِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم والمسلمون رضي الله عنهم أنه تعالى وتقدّس لم يَتَّخِذ وَلَداً سبحانه وإنما قال ذلك لِيُبَصِّرهم ضَلالَتَهم قال وتَدْخُل أَمْ على هلْ تقول أَمْ هلْ عندك عمرو وقال عَلْقمة ابن عَبَدة أَمْ هلْ كَبيرٌ بَكَى لم يَقْضِ عَبْرَتَه إثْرَ الأَحبَّةِ يَوْمَ البَيْنِ مَشْكُومُ ؟ قال ابن بري أمْ هنا مُنْقَطِعة واستَأْنَف السُّؤال بها فأَدْخَلها على هلْ لتَقَدُّم هلْ في البيت قبله وهو هلْ ما عَلِمْت وما اسْتودِعْت مَكْتوم ثم استأْنف السؤال بِأَمْ فقال أَمْ هلْ كَبير ومثله قول الجَحَّاف بن حكيم أَبا مالِكٍ هلْ لُمْتَني مُذْ حَصَضَتَنِي على القَتْل أَمْ هلْ لامَني منكَ لائِمُ ؟ قال إلاّ أَنه متى دَخَلَتْ أَمْ على هلْ بَطَل منها معنى الاستفهام وإنما دَخَلتْ أَم على هلْ لأَنها لِخُروجٍ من كلام إلى كلام فلهذا السَّبَب دخلتْ على هلْ فقلْت أَمْ هلْ ولم تَقُل أَهَلْ قال ولا تَدْخُل أَم على الأَلِف لا تَقول أَعِنْدك زيد أَمْ أَعِنْدك عَمْرو لأن أصل ما وُضِع للاستفهام حَرْفان أَحدُهما الألفُ ولا تَقع إلى في أَوَّل الكلام والثاني أمْ ولا تقع إلا في وَسَط الكلام وهلْ إنما أُقيمُ مُقام الألف في الاستفهام فقط ولذلك لم يَقَع في كل مَواقِع الأَصْل
( أمن ) الأَمانُ والأَمانةُ بمعنى وقد أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ وآمَنْتُ غيري من الأَمْن والأَمان والأَمْنُ ضدُّ الخوف والأَمانةُ ضدُّ الخِيانة والإيمانُ ضدُّ الكفر والإيمان بمعنى التصديق ضدُّه التكذيب يقال آمَنَ به قومٌ وكذَّب به قومٌ فأَما آمَنْتُه المتعدي فهو ضدُّ أَخَفْتُه وفي التنزيل العزيز وآمَنَهم من خوف ابن سيده الأَمْنُ نقيض الخوف أَمِن فلانٌ يأْمَنُ أَمْناً وأَمَناً حكى هذه الزجاج وأَمَنةً وأَماناً فهو أَمِنٌ والأَمَنةُ الأَمْنُ ومنه أَمَنةً نُعاساً وإذ يَغْشاكم النعاسُ أَمَنةً منه نصَب أَمَنةً لأَنه مفعول له كقولك فعلت ذلك حَذَر الشر قال ذلك الزجاج وفي حديث نزول المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام وتقع الأمَنةُ في الأَرض أَي الأَمْنُ يريد أَن الأَرض تمتلئ بالأَمْن فلا يخاف أَحدٌ من الناس والحيوان وفي الحديث النُّجومُ أَمَنةُ السماء فإذا ذهبت النجومُ أَتى السماءَ ما تُوعَد وأَنا أَمَنةٌ لأَصحابي فإذا ذهبتُ أَتى أَصحابي ما يُوعَدون وأََصحابي أَمَنةٌ لأُمَّتي فإذا ذهبَ أصحابي أَتى الأُمَّةَ ما تُوعَد أَراد بِوَعْد السماء انشقاقَها وذهابَها يوم القيامة وذهابُ النجومُ تكوِيرُها وانكِدارُها وإعْدامُها وأَراد بوَعْد أَصحابه ما وقع بينهم من الفِتَن وكذلك أَراد بوعْد الأُمّة والإشارةُ في الجملة إلى مجيء الشرّ عند ذهابِ أَهل الخير فإنه لما كان بين الناس كان يُبَيِّن لهم ما يختلفون فيه فلما تُوفِّي جالت الآراءُ واختلفت الأَهْواء فكان الصَّحابةُ يُسْنِدونَ الأَمرَ إلى الرسول في قول أَو فعل أَو دلالة حال فلما فُقِدَ قَلَّت الأَنوارُ وقَويَت الظُّلَمُ وكذلك حالُ السماء عند ذهاب النجوم قال ابن الأَثير والأَمَنةُ في هذا الحديث جمع أَمينٍ وهو الحافظ وقوله عز وجل وإذ جَعَلْنا البيتَ مثابةً للناس وأَمْناً قال أَبو إسحق أَراد ذا أَمْنٍ فهو آمِنٌ وأَمِنٌ وأَمِين عن اللحياني ورجل أَمِن وأَمين بمعنى واحد وفي التنزيل العزيز وهذا البَلد الأَمين أَي الآمِن يعني مكة وهو من الأَمْنِ وقوله أَلم تعْلمِي يا أَسْمَ ويحَكِ أَنني حلَفْتُ يميناً لا أَخونُ يَميني قال ابن سيده إنما يريد آمنِي ابن السكيت