كتاب لسان العرب - ط المعارف (اسم الجزء: 1)

وتَأَبَّاه اتَّخَذه أَباً والاسم الأُبُوَّة وأَنشد ابن بري لشاعر أَيُوعِدُني الحجَّاج والحَزْنُ بينَنا وقَبْلَك لم يَسْطِعْ لِيَ القَتْلَ مُصْعَبُ تَهَدَّدْ رُوَيْداً لا أَرى لَكَ طاعَةً ولا أَنت ممَّا ساء وَجْهَك مُعْتَبُ فإِنَّكُمُ والمُلْك يا أَهْلَ أَيْلَةٍ لَكالمُتأَبِّي وهْو ليس له أَبُ وما كنتَ أَباً ولقد أَبَوْتَ أُبُوَّةً وقيل ما كنتَ أَباً ولقد أَبَيْتَ وما كنتِ أُمّاً ولقد أَمِمْت أُمُومةً وما كنتَ أَخاً ولقد أَخَيْتَ ولقد أَخَوْتَ وما كنتِ أُمَّةً ولقد أَمَوْتِ ويقال اسْتَئِبَّ أَبّاً واسْتأْبِبْ أَبّاً وتَأَبَّ أَبّاً واسْتَئِمَّ أُمّاً واسْتأْمِمْ أُمّاً وتأَمَّمْ أُمّاً قال أَبو منصور وإِنما شدِّد الأَبُ والفعلُ منه وهو في الأَصل غيرُ مشدَّد لأَن الأَبَ أَصله أَبَوٌ فزادوا بدل الواو باءً كما قالوا قِنٌّ للعبد وأَصله قِنْيٌ ومن العرب من قال لليَدِ يَدّ فشدَّد الدال لأَن أَصله يَدْيٌ وفي حديث أُم عطية كانت إِذا ذكَرَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بِأَباهُ قال ابن الأَثير أَصله بأَبي هو يقال بَأْبَأْتُ الصَّبيَّ إِذا قلتَ له بأَبي أَنت وأُمِّي فلما سكنت الياء قلبت أَلفاً كما قيل في يا وَيْلتي يا ويلتا وفيها ثلاث لغات بهمزة مفتوحة بين الباءين وبقلب الهمزة ياء مفتوحة وبإِبدال الياء الأَخيرة أَلفاً وهي هذه والباء الأُولى في بأَبي أَنت وأُمِّي متعلقة بمحذوف قيل هو اسم فيكون ما بعده مرفوعاً تقديره أَنت مَفْدِيٌّ بأَبي وأُمِّي وقيل هو فعل وما بعده منصوب أَي فَدَيْتُك بأَبي وأُمِّي وحذف هذا المقدَّر تخفيفاً لكثرة الاستعمال وعِلْم المُخاطب به الجوهري وقولهم يا أَبَةِ افعلْ يجعلون علامةَ التأْنيث عِوَضاً من ياء الإِضافة كقولهم في الأُمِّ يا أُمَّةِ وتقِف عليها بالهاء إِلا في القرآن العزيز فإِنك تقف عليها بالتاء
( * قوله « تقف عليها بالتاء » عبارة الخطيب وأما الوقف فوقف ابن كثير وابن عامر بالهاء والباقون بالتاء )
اتِّباعاً للكتاب وقد يقف بعضُ العرب على هاء التأْنيث بالتاء فيقولون يا طَلْحَتْ وإِنما لم تسْقُط التاء في الوصْل من الأَب يعني في قوله يا أَبَةِ افْعَل وسَقَطتْ من الأُمِّ إِذا قلتَ يا أُمَّ أَقْبِلي لأَن الأَبَ لمَّا كان على حرفين كان كأَنه قد أُخِلَّ به فصارت الهاءُ لازمةً وصارت الياءُ كأَنها بعدها قال ابن بري أُمّ مُنادَى مُرَخَّم حذفت منه التاء قال وليس في كلام العرب مضاف رُخِّم في النِّداء غير أُمّ كما أَنه لم يُرَخَّم نكرة غير صاحِب في قولهم يا صاحِ وقالوا في النداء يا أَبةِ ولَزِموا الحَذْف والعِوَض قال سيبويه وسأَلت الخليلَ رحمه الله عن قولهم يا أَبةَ ويا أَبَةِ لا تفعَل ويا أَبَتاه ويا أُمَّتاه فزعم أَن هذه الهاء مثلُ الهاء في عَمَّة وخالةٍ قال ويدلُّك على أَن الهاء بمنزلة الهاء في عَمَّة وخالةٍ أَنك تقول في الوَقْف يا أَبَهْ كما تقول يا خالَهْ وتقول يا أَبتاهْ كما تقول يا خالَتاهْ قال وإنما يلزمون هذه الهاء في النِّداء إِذا أَضَفْت إِلى نفسِك خاصَّة كأَنهم جعلوها عوَضاً من حذف الياء قال وأَرادوا أَن لا يُخِلُّوا بالاسم حين اجتمع فيه حذف النِّداء وأَنهم لا يَكادون يقولون يا أَباهُ وصار هذا مُحْتَملاً عندهم لِمَا دخَل النِّداءَ من الحذف والتغييرِ فأَرادوا أَن يُعَوِّضوا هذين الحرفين كما يقولون أَيْنُق لمَّا حذفوا العين جعلوا الياء عِوَضاً فلما أَلحقوا الهاء صيَّروها بمنزلة الهاء التي تلزَم الاسم في كل موضع واختص النداء بذلك لكثرته في كلامهم كما اختصَّ بيا أَيُّها الرجل وذهب أَبو عثمان المازني في قراءة من قرأَ يا أَبَةَ بفتح التاء إِلى أَنه أَراد يا أَبَتاهُ فحذف الأَلف وقوله أَنشده يعقوب تقولُ ابْنَتي لمَّا رأَتْ وَشْكَ رِحْلَتي كأَنك فِينا يا أَباتَ غَريبُ أَراد يا أَبَتاهُ فقدَّم الأَلف وأَخَّر التاء وهو تأْنيث الأَبا ذكره ابن سيده والجوهري وقال ابن بري الصحيح أَنه ردَّ لامَ الكلمة إِليها لضرورة الشعر كما ردَّ الآخر لامَ دَمٍ في قوله فإِذا هي بِعِظامٍ ودَمَا وكما ردَّ الآخر إِلى يَدٍ لامَها في نحو قوله إِلاَّ ذِراعَ البَكْرِ أَو كفَّ اليَدَا وقوله أَنشده ثعلب فقامَ أَبو ضَيْفٍ كَرِيمٌ كأَنه وقد جَدَّ من حُسْنِ الفُكاهة مازِحُ فسره فقال إِنما قال أَبو ضَيْف لأَنه يَقْرِي الضِّيفان وقال العُجَير السَّلُولي تَرَكْنا أَبا الأَضْياف في ليلة الصَّبا بمَرْوٍ ومَرْدَى كل خَصْمٍ يُجادِلُهْ وقد يقلبون الياء أَلِفاً قالت دُرْنَى بنت سَيَّار بن ضَبْرة تَرْثي أَخَوَيْها ويقال هو لعَمْرة الخُثَيْمِيَّة هُما أَخَوا في الحَرْب مَنْ لا أَخا لَهُ إِذا خافَ يوماً نَبْوَةً فدَعاهُما وقد زعموا أَنِّي جَزِعْت عليهما وهل جَزَعٌ إِن قلتُ وابِأَبا هُما ؟ تريد وابأَبي هُما قال ابن بري ويروى وَابِيَباهُما على إِبدال الهمزة ياء لانكسار ما قبلها وموضع الجار والمجرور رفع على خبرهما قال ويدلُّك على ذلك قول الآخر يا بأَبي أَنتَ ويا فوق البِيَبْ قال أَبو عليّ الياء في بِيَب مُبْدَلة من هَمزة بدلاً لازماً قال وحكى أَبو زيد بَيَّبْت الرجلَ إِذا قلت له بِأَبي فهذا من البِيَبِ قال وأَنشده ابن السكيت يا بِيَبا قال وهو الصحيح ليوافق لفظُه لفظَ البِيَبِ لأَنه مشتق منه قال ورواه أَبو العلاء فيما حكاه عنه التِّبْرِيزي ويا فوق البِئَبْ بالهمز قال وهو مركَّب من قولهم بأَبي فأَبقى الهمزة لذلك قال ابن بري فينبغي على قول من قال البِيَب أَن يقول يا بِيَبا بالياء غير مهموز وهذا البيت أَنشده الجاحظ مع أَبيات في كتاب البيان والتَّبْيين لآدم مولى بَلْعَنْبَر يقوله لابنٍ له وهي يا بِأَبي أَنتَ ويا فَوق البِيَبْ يا بأَبي خُصْياك من خُصىً وزُبْ أَنت المُحَبُّ وكذا فِعْل المُحِبْ جَنَّبَكَ اللهُ مَعارِيضَ الوَصَبْ حتى تُفِيدَ وتُداوِي ذا الجَرَبْ وذا الجُنونِ من سُعالٍ وكَلَبْ

الصفحة 17