كتاب لسان العرب - ط المعارف (اسم الجزء: 1)

بالجَدْب حتى يَسْتَقِيمَ في الحَدَبْ وتَحْمِلَ الشاعِرَ في اليوم العَصِبْ على نَهابيرَ كَثيراتِ التَّعَبْ وإِن أَراد جَدِلاً صَعْبٌ أَرِبْ الأَرِبُ العاقِلُ خُصومةً تَنْقُبُ أَوساطَ الرُّكَبْ لأَنهم كانوا إِذا تخاصَموا جَثَوْا على الرُّكَبِ أَطْلَعْتَه من رَتَبٍ إِلى رَتَبْ حتى ترى الأَبصار أَمثال الشُّهُبْ يَرمي بها أَشْوَسُ مِلحاحٌ كِلِبْ مُجَرّب الشّكّات مَيْمُونٌ مِذَبْ وقال الفراء في قوله يا بأَبي أَنتَ ويا فوق البِيَبْ قال جعلوا الكلمتين كالواحدة لكثرتها في الكلام وقال يا أَبةِ ويا أَبةَ لغتان فَمن نصَب أَراد النُّدْبة فحذف وحكى اللحياني عن الكسائي ما يُدْرى له مَن أَبٌ وما أَبٌ أَي لا يُدْرى مَن أَبوه وما أَبوه وقالوا لابَ لك يريدون لا أَبَ لك فحذفوا الهمزة البتَّة ونظيره قولهم وَيْلُمِّه يريدون وَيْلَ أُمِّه وقالوا لا أَبا لَك قال أَبو علي فيه تقديران مختلفان لمعنيين مختلفين وذلك أَن ثبات الأَلف في أَبا من لا أَبا لَك دليل الإِضافة فهذا وجه ووجه آخر أَن ثبات اللام وعمَل لا في هذا الاسم يوجب التنكير والفَصْلَ فثَبات الأَلف دليلُ الإِضافة والتعريف ووجودُ اللامِ دليلُ الفَصْل والتنكير وهذان كما تَراهما مُتَدافِعان والفرْق بينهما أَن قولهم لا أَبا لَك كلام جَرى مَجْرى المثل وذلك أَنك إِذا قلت هذا فإِنك لا تَنْفي في الحقيقة أَباهُ وإِنما تُخْرِجُه مُخْرَج الدُّعاء عليه أَي أَنت عندي ممن يستحقُّ أَن يُدْعى عليه بفقد أَبيه وأَنشد توكيداً لما أَراد من هذا المعنى قوله ويترك أُخرى فَرْدَةً لا أَخا لَها ولم يقل لا أُخْتَ لها ولكن لمَّا جرى هذا الكلام على أَفواهِهم لا أَبا لَك ولا أَخا لَك قيل مع المؤنث على حد ما يكون عليه مع المذكر فجرى هذا نحواً من قولهم لكل أَحد من ذكر وأُنثى أَو اثنين أَو جماعة الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبن على التأْنيث لأَنه كذا جرى أَوَّلَه وإِذا كان الأَمر كذلك علم أَن قولهم لا أَبا لَك إِنما فيه تَفادي ظاهِره من اجتماع صُورَتي الفَصْلِ والوَصْلِ والتعريف والتنكير لفظاً لا معنى ويؤكد عندك خروج هذا الكلام مخرج المثل كثرتُه في الشعر وأَنه يقال لمن له أَب ولمن لا أَبَ له لأَنه إِذا كان لا أَبَ له لم يجُزْ أَن يُدْعى عليه بما هو فيه لا مَحالة أَلا ترى أَنك لا تقول للفقير أَفْقَرَه الله ؟ فكما لا تقول لمن لا أَبَ له أَفقدك الله أَباك كذلك تعلم أَن قولهم لمن لا أَبَ له لا أَبا لَك لا حقيقة لمعناه مُطابِقة للفظه وإِنما هي خارجة مَخْرَج المثل على ما فسره أَبو علي قال عنترة فاقْنَيْ حَياءَك لا أَبا لَك واعْلَمي أَني امْرُؤٌ سأَمُوتُ إِنْ لم أُقْتَلِ وقال المتَلَمِّس أَلْقِ الصَّحيفةَ لا أَبا لَك إِنه يُخْشى عليك من الحِباءِ النِّقْرِسُ ويدلُّك على أَن هذا ليس بحقيقة قول جرير يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أَبا لَكُمُ لا يَلْقَيَنَّكُمُ في سَوْءَةٍ عُمَرُ فهذا أقوى دليلٍ على أَن هذا القول مَثَلٌ لا حقيقة له أَلا ترى أَنه لا يجوز أَن يكون للتَّيْم كلِّها أَبٌ واحد ولكنكم كلكم أَهل للدُّعاء عليه والإِغلاظ له ؟ ويقال لا أَبَ لك ولا أَبا لَك وهو مَدْح وربما قالوا لا أَباكَ لأَن اللام كالمُقْحَمة قال أَبو حيَّة النُّمَيْري أَبِالمَوْتِ الذي لا بُدَّ أَني مُلاقٍ لا أَباكِ تُخَوِّفِيني ؟ دَعي ماذا علِمْتِ سَأَتَّقِيهِ ولكنْ بالمغيَّب نَبِّئِيني أَراد تُخَوِّفِينني فحذف النون الأَخيرة قال ابن بري ومثله ما أَنشده أَبو العباس المبرّد في الكامل وقد مات شَمَّاخٌ ومات مُزَرِّدٌ وأَيُّ كَريمٍ لا أَباكِ يُخَلَّدُ ؟ قال ابن بري وشاهد لا أَبا لك قول الأَجْدَع فإِن أَثْقَفْ عُمَيراً لا أُقِلْهُ وإِن أَثْقَفْ أَباه فلا أَبَا لَهْ قال وقال الأَبْرَشُ بَحْزَج
( * قوله « بحزج » كذا في الأصل هنا وتقدم فيه قريباً قال بخدج اطلب أبا نخلة إلخ وفي القاموس بخدج اسم زاد في اللسان شاعر ) بن حسَّان يَهجُو أَبا نُخَيلة إِنْ أَبا نَخْلَة عَبْدٌ ما لَهُ جُولٌ إِذا ما التَمَسوا أَجْوالَهُ يَدْعو إِلى أُمٍّ ولا أَبا لَهُ وقال الأَعْور بن بَراء فمَن مُبْلِغٌ عنِّي كُرَيْزاً وناشِئاً بِذاتِ الغَضى أَن لا أَبا لَكُما بِيا ؟ وقال زُفَر بن الحرث يَعْتذْر من هَزيمة انْهَزَمها أَرِيني سِلاحي لا أَبا لَكِ إِنَّني أَرى الحَرْب لا تَزْدادُ إِلا تَمادِيا أَيَذْهَبُ يومٌ واحدٌ إِنْ أَسَأْتُه بِصالِح أَيّامي وحُسْن بَلائِيا ولم تُرَ مِنِّي زَلَّة قبلَ هذه فِراري وتَرْكي صاحِبَيَّ ورائيا وقد يَنْبُت المَرْعى على دِمَنِ الثَّرى وتَبْقى حَزازاتُ النفوس كما هِيا وقال جرير لجدِّه الخَطَفَى فَأَنْت أَبي ما لم تكن ليَ حاجةٌ فإِن عَرَضَتْ فإِنَّني لا أَبا لِيا وكان الخَطَفَى شاعراً مُجيداً ومن أَحسن ما قيل في الصَّمْت قوله عَجِبْتُ لإزْراء العَيِيِّ بنفْسِه وَصَمْتِ الذي قد كان بالقَوْلِ أَعْلَما وفي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْعَييِّ وإِنما صَحِيفةُ لُبِّ المَرْءِ أَن يَتَكَلَّما وقد تكرَّر في الحديث لا أَبا لَك وهو أَكثر ما يُذْكَرُ في ا لمَدْح أَي لا كافيَ لك غير نفسِك وقد يُذْكَر في مَعْرض الذمّ كما يقال لا أُمَّ لكَ قال وقد يذكر في مَعْرض التعجُّب ودَفْعاً للعَيْن كقولهم لله دَرُّك وقد يذكر بمعنى جِدَّ في أَمْرِك وشَمِّر لأَنَّ مَن له أَبٌ اتَّكَلَ عليه

الصفحة 18