باشْتِدادٍ وقال الزجاج أَصلُ السَّعْيِ في كلام العرب التصرُّف فيكل عَمَلٍ ومنه قوله تعالى وأَنْ ليس للإنسانِ إلاَّ ما سَعَى معناه إلاَّ مَا عَمِلَ ومعنى قوله فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ الله فاقْصِدُوا والسَّعْيُ الكَسْبُ وكلُّ عملٍ من خير أَو شرٍّ سَعْي والفعلُ كالفِعْلِ وفي التنزيل لِتُجْزَى كلُّ نَفْسٍ بما تَسْعَى وسَعَى لهم وعليهم عَمِلَ لهم وكَسَبَ وأَسْعَى غيرهَ جَعَلَه يَسْعَى وقد روي بيتُ أَبي خِراش أَبْلِغْ عَلِيّاً أَطالَ اللهُ ذُلَّهُمُ أَنَّ البُكَيْرَ الذي أَسْعَوْا به هَمَلُ أَسْعَوْا وأَشْعَوْا وقوله تعالى فلما بَلَغَ معَه السَّعْيَ أَي أَدْرَك مَعَه العَمَل وقال الفراء أَطاقَ أَنْ يُعِينَه على عَمَله قال وكان إسمعيلُ يومئذٍ ابن ثلاث عشْرةَ سنةً قال الزجاج يقال إنه قد بَلَغ في ذلك الوقتِ ثلاث عشرة سنةً ولم يُسَمِّه وفي حديث عليّ كرم الله وجهه في ذَمّ الدنيا من ساعاها فاتَتْهُ أَي سابَقَها وهي مُفاعَلَة من السَّعُيِ كأَنها تَسْعَى ذاهِبةً عنه وهو يَسْعَى مُجِدّاً في طَلَبِها فكلُّ منهما يطلُبُ الغَلَبة في السَّعْي والسَّعاةُ التَّصَرُّفُ ونَظير السَّعاةِ في الكلامِ النَّجاة من نجَا ينجو والفَلاةُ من فَلاهُ يَفْلُوه إذا قَطَعَه عن الرضاع وعَصاهُ يَعْصُوه عَصاةً والغَراةُ من قولك غَرِيتُ به أَي أُولِعْتُ به غَراةً وفَعَلْت ذلك رَجاةَ كذا وكذا وتَرَكْت الأَمرَ خَشاةَ الإثْمِ وأَغْرَيْتُه إغْراءً وغَراةً وأَذِيَ أَذىً وأَذَاةً وغديت غدوة
( * قوله « وغديت غدوة إلخ » هكذا في الأصل ) وغَداةً حكى الأَزهري ذلك كلَّه عن خالد بن يزيد والسَّعْيُ يكون في الصلاحِ ويكون في الفساد قال الله عز وجل إنما جزاءُ الذين يُحارِبون اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْنَ في الأَرض فَساداً نصبَ قوله فساداً لأَنه مفعولٌ له أَراد يَسْعَوْن في الأَرضِ للفساد وكانت العرب تُسَمِّي أَصحابَ الحَمالاتِ لِحَقْنِ الدِّماءِ وإطْفاءِ النَّائِرةِ سُعاةً لسَعْيِهِم في صَلاحِ ذاتِ البَيْنِ ومنه قول زهير سَعَى ساعِيَا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بعدما تَبَزَّلَ ما بَيْنَ العَشيرَةِ بالدَّمِ أَي سَعَيَا في الصلحِ وجمعِ ما تَحَمَّلا من دِياتِ القَتْلى والعرب تُسَمِّي مآثر أَهلِ الشَّرَف والفضل مَساعِيَ واحدتُها مَسْعاةٌ لسَعْيِهِم فيها كأَنها مَكاسِبُهُم وأَعمالُهم التي أَعْنَوْا فيها أَنفسَهم والسَّعاةُ اسمٌ من ذلك ومن أَمثال العرب شَغَلَتْ سَعاتي جَدْوايَ قال أَبو عُبَيْد يُضْرَب هذا مثلاً للرجل تكونُ شِيمَتُه الكَرَم غير أَنه مُعْدِمٌ يقول شَغَلَتْني أُمُوري عن الناسِ والإفْضالِ عليهم والمَسْعاةُ المَكْرُمَة والمَعْلاةُ في أَنْواعِ المَجْدِ والجُودِ سَاعاهُ فسَعاهُ يَسْعِيهِ أي كان أَسْعَى منه ومن أَمثالهم في هذا بالساعِدِ تَبْطِشُ اليَدُ وقال الأَزهري كأَنه أَرادَ بالسَّعاةِ الكَسْبَ على نفسهِ والتَّصَرُّفَ في معاشهِ ومنه قولُهم المَرْءُ يَسْعى لِغارَيْه أَي يَكْسِبُ لبَطْنِهِ وفَرْجِهِ ويقال لِعامِل الصَّدَقاتِ ساعٍ وجَمْعُه سُعاةٌ وسَعى المُصَدِّقُ يَسْعَى سِعايةً إذا عَمِلَ على الصَّدقاتِ وأَخذها من أَغْنِيائِها وردّها في فُقَرائِها وسَعَى سِعايةً أَيضاً مَشى لأَخْذِ الصدقة فقَبَضَها من المُصَدِّق والسُّعاةُ وُلاةُ الصدقة قال عمرو بن العَدَّاء الكَلْبي سَعَى عِقالاً فلَمْ يَتْرُكْ لنا سَبَداً فكَيْفَ لَوْ قد سَعَى عَمْروٌ عِقالَينِ ؟ وفي حديث وائل بن حُجْر إنَّ وائِلاً يُسْتَسْعَى ويَتَرَفَّلُ على الأَقْوالِ أَي يُسْتَعْمَلُ على الصدقات ويَتَولَّى اسْتِخْراجَها من أَرْبابها وبه سُمِّيَ عامِلُ الزكاةِ الساعِيَ ومنه قولهُ ولَتُدْرَكَنَّ القِلاصُ فلا يُسْعَى عليها أَي تُتْرَكُ زكاتُها فلا يكون لها ساعٍ وسَعَى عليها كعَمِل عليها والساعي الذي يقومُ بأَمرِ أَصحابهِ عند السُّلْطانِ والجمعُ السُّعاةُ قال ويقال إنه ليَقوم أَهلَه أَي يقومُ بأَمرِهِم ويقال فلان يَسْعَى على عِياله أَي يَتَصَرَّف لهم كما قال الشاعرْ أَسْعَى عَلى جُلِّ بَنِي مالِكٍ كُلُّ امْرِئٍ في شَأْنهِ سَاعِي وسَعَى به سِعايَةً إلى الوَالي وَشَى وفي حديث ابن عباس أَنَّه قال السَّاعِي لغَيْرِ رِشْدَةٍ أَراد بالسَّاعِي الذي يَسْعَى بصاحبه إلى سُلطانهِ فيَمْحَلُ به ليُؤْذِيَه أَي أَنَّه ليسَ ثابتَ النَّسَبِ من أَبيه الذي يَنْتَمِي إليه ولا هُوَ وَلَدُ حَلالٍ وفي حديث كعب السَّاعِي مُثَلِّثٌ تأْويلُه أَنه يُهْلِك ثلاثةَ نَفَرٍ بسِعايتهِ أَحَدُهم المَسْعِيُّ به والثاني السُّلْطانُ الذي سَعَى بصاحبهِ إليه حتى أَهْلَكَه والثالث هو السَّاعِي نفسهُ سُمِّيَ مُثَلِّثاً لإهْلاكهِ ثلاثَةَ نَفَرٍ ومما يُحَقّق ذلك الخبرُ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ فالقَتَّاتُ والساعِي والماحِلُ واحدٌ واسْتَسْعَى العبْدَ كَلَّفَه من العَمَل ما يُؤَدِّي به عن نَفْسهِ إذا أُعْتِقَ بَعضهُ لِيعْتِقَ به ما بَقِيَ والسِّعايَةُ ما كُلِّفَ من ذلِك وسَعَى المُكاتَبُ في عِتْقِ رَقَبَتهِ سِعايَةً واسْتَسْعَيْت العَبْدَ في قِيمَته وفي حديث العِتْقِ إذا أُعْتِقَ بعضُ العَبْدِ فإن لم يَكُنْ له مالٌ اسْتُسْعِيَ غيرَ مَشْقُوقٍ عليه اسْتِسْعاءُ العَبْدِ إذا عَتَقَ بَعْضهُ ورَقَّ بعضهُ هو أَنْ يَسْعَى في فَكاكِ ما بَقي من رِقِّه فيَعْمَلَ ويكسِبَ ويَصْرِفَ ثَمَنه إلى مولاه فسُمِّي تصرُّفه في كَسْبه سِعايِةً وغيرَ مَشْقوق عليه أَي لا يكلِّفهُ فوق طاقَتهِ وقيل معناه اسْتُسْعِيَ العبدُ