كتاب لسان العرب - ط المعارف (اسم الجزء: 1)

قال ابن جني حكي أَن بعض العرب يقول في الأَمر من أَتى تِ زيداً فيحذف الهمزة تخفيفاً كما حذفت من خُذْ وكلْ ومُرْ وقُرئ يومَ تَأْتِ بحذف الياء كما قالوا لا أَدْرِ وهي لغة هُذيل وأَما قول قَيْس بن زُهَير العَبْسيّ أَلمْ يَأْتِيكَ والأَنْباءُ تَنْمِي بما لاقَتْ لَبُون بني زِياد ؟ فإِنما أَثبت الياء ولم يحذفها للجزم ضرورة وردَّه إِلى أَصله قال المازني ويجوز في الشعر أَن تقول زيد يرْمِيُك برفع الياء ويَغْزُوُك برفع الواو وهذا قاضيٌ بالتنوين فتُجْري الحرْفَ المُعْتَلَّ مُجرى الحرف الصحيح من جميع الوُجوه في الأَسماء والأَفعال جميعاً لأَنه الأَصل والمِيتاءُ والمِيداءُ مَمْدودانِ آخِرُ الغاية حيث ينتهي إِليه جَرْيُ الخيل والمِيتاءُ الطريق العامِرُ ومجتَمَع الطريق أَيضاً مِيتاء وميداءُ وأَنشد ابن بري لحُميد الأَرْقَط إِذا انْضَزَّ مِيتاءُ الطريق عليهما مَضَتْ قُدُماً برح الحزام زَهُوقُ
( * قوله « إذا انضز إلخ » هكذا في الأصل هنا وتقدم في مادتي ميت وميد ببعض تغيير )
وفي حديث اللُّقطة ما وجَدْتَ في طريقٍ ميتاءٍ فعَرِّفْه سنةً أَي طريقٍ مَسْلوكٍ وهو مفْعال من الإِتْيان والميم زائدة ويقال بَنَى القومُ بُيوتَهم على ميتاءٍ واحد ومِيداءٍ واحدٍ وداري بمِيتاء دارِ فلانٍ ومِيداءْ دارِ فُلان أَي تِلْقاءَ دارِه وطريق مِئْتاءٌ عامِرٌ هكذا رواه ثعلب بهمز الياء من مِئْتاءٍ قال وهو مِفْعال من أَتيت أَي يأْتيه الناسُ وفي الحديث لولا أَنه وَعدٌ حقٌّ وقولٌ صِدْقٌ وطريقٌ مِيتاءٌ لَحَزِنّا عليك أَكثر ما حَزِنّا أَراد أَنه طريقٌ مسلوك يَسْلُكه كلُّ أَحدٍ وهو مِفْعال من الإِتْيان فإِن قلت طريق مَأْتِيٌّ فهو مفْعول من أَتَيْته قال الله عزَّ وجل إِنه كان وَعْدُه مَأْتِيّاً كأَنه قال آتِياً كما قال حجاباً مستوراً أَي ساتراً لأَن ما أَتيته فقد أَتاك قال الجوهري وقد يكون مفعولاً لأَنَّ ما أَتاك من أَمر الله فقد أَتَيْته أَنتَ قال وإِنما شُدِّد لأَن واو مَفعولٍ انقلَبت ياء لكسرة ما قبلها فأُدغمت في الياء التي هي لامُ الفعل قال ابن سيده وهكذا روي طريقٌ مِيتاءٌ بغير همز إِلا أَن المراد الهمز ورواه أَبو عبيد في المصنف بغير همز فِيعالاً لأَن فِيعالاً من أَبْنِية المَصادر ومِيتاء ليس مصدراً إِنما هو صفةٌ فالصحيح فيه إِذن ما رواه ثعلب وفسره قال ابن سيده وقد كان لنا أَن نقول إِن أَبا عبيد أَراد الهمز فتركه إِلا أَنه عَقَد الباب بفِعْلاء ففضح ذاته وأَبان هَناتَه وفي التنزيل العزيز أَينما تكونوا يأْتِ بكم الله جميعاً قال أَبو إِسحق معناه يُرْجِعُكم إِلى نَفْسه وأَتَى الأَمرَ من مأْتاهُ ومَأْتاتِه أَي من جهتِه وَوَجْهه الذي يُؤْتَى منه كما تقول ما أَحسَنَ مَعْناةَ هذا الكلام تُريد معناه قال الراجز وحاجةٍ كنتُ على صُِماتِها أَتَيْتُها وحْدِيَ من مَأْتاتها وآتَى إِليه الشيءَ ساقَه والأَتيُّ النهر يَسوقه الرجل إِلى أَرْضه وقيل هو المَفْتَح وكلُّ مَسيل سَهَّلْته لماءٍ أَتِيٌّ وهو الأُتِيُّ حكاه سيبويه وقيل الأُتيُّ جمعٌ وأَتَّى لأَرْضِه أَتِيّاً ساقَه أَنشد ابن الأَعرابي لأَبي محمد الفَقْعسيّ تَقْذِفهُ في مثل غِيطان التِّيهْ في كلِّ تِيهٍ جَدْول تُؤَتِّيهْ شبَّه أَجْوافها في سَعَتها بالتِّيهِ وهو الواسِعُ من الأَرض الأَصمعي كلُّ جدول ماءٍ أَتِيّ وقال الراجز ليُمْخَضَنْ جَوْفُكِ بالدُّليِّ حتى تَعُودي أَقْطَعَ الأَتيِّ قال وكان ينبغي
( * قوله « وكان ينبغي إلخ » هذه عبارة التهذيب وليست فيه لفظة قطعاً ) أَن يقول قَطْعاً قَطعاء الأَتيِّ لأَنه يُخاطب الرَّكِيَّة أَو البئر ولكنه أَراد حتى تَعُودي ماءً أَقْطَع الأَتيّ وكان يَسْتَقِي ويَرْتجِز بهذا الرجز على رأْس البئر وأَتَّى للماء وَجَّه له مَجْرىً ويقال أَتِّ لهذا الماء فتُهَيِّئَ له طريقه وفي حديث ظَبْيان في صِفة دِيار ثَمُود قال وأَتَّوْا جَداوِلَها أَي سَهَّلوا طُرُق المِياه إِليها يقال أَتَّيْت الماء إِذا أَصْلَحْت مَجْراه حتى يَجْرِي إِلى مَقارِّه وفي حديث بعضهم أَنه رأَى رجلاً يُؤتِّي الماءَ في الأَرض أَي يُطَرِّق كأَنه جعله يأْتي إِليها أَي يَجيءُ والأَتيُّ والإِتاءُ ما يَقَعُ في النهر
( * قوله « والأتي والإتاء ما يقع في النهر » هكذا ضبط في الأصل وعبارة القاموس وشرحه والأتي كرضا وضبطه بعض كعدي والأتاء كسماء وضبطه بعض ككساء ما يقع في النهر من خشب أو ورق ) من خشب أَو ورَقٍ والجمعُ آتاءٌ وأُتيٌّ وكل ذلك من الإِتْيان وسَيْل أَتيٌّ وأَتاوِيٌّ لا يُدْرى من أَيْن أَتى وقال اللحياني أَي أَتى ولُبِّس مَطَرُه علينا قال العجاج كأَنه والهَوْل عَسْكَرِيّ سَيْلٌ أَتيٌّ مَدَّه أَتيّ ومنه قولُ المرأَة التي هَجَت الأَنْصارَ وحَبَّذا هذا الهِجاءُ أَطَعْتُمْ أَتاوِيَّ من غيركم فلا من مُرادٍ ولا مُذْحِجِ أَرادت بالأَتاوِيِّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَتَلَها بعضُ الصحابة فأُهْدِرَ دَمُها وقيل بل السَّيل مُشَبَّه بالرجل لأَنه غريبٌ مثله قال لا يُعْدَلُنَّ أَتاوِيُّون تَضْرِبُهم نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب المُحِلاَّتِ قال الفارسي ويروى لا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون فحذف المفعول وأَراد لا يَعْدِلَنَّ أَتاويُّون شأْنُهم كذا أَنْفُسَهم ورُوي أَن النبي صلى الله عليه وسلم سأَل عاصم بن عَدِيّ الأَنْصاري عن ثابت بن الدحْداح وتُوُفِّيَ فقال هل تعلمون له نَسَباً فيكم ؟ فقال لا إِنما هو أَتيٌّ فينا قال فقَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه لابن أُختِه

الصفحة 22