وقوله تعالى إِلى ظِلٍّ ذي ثَلاثِ شُعَبٍ قال ثعلب يقال إِنَّ النارَ يومَ القيامة تَتَفَرَّقُ إِلى ثلاثِ فِرَقٍ فكُلَّما ذهبُوا [ ص 500 ] أَن يخرُجوا إِلى موضعٍ رَدَّتْهُم ومعنى الظِّلِّ ههنا أَن النارَ أَظَلَّتْه لأَنَّه ليس هناك ظِلٌّ وشُعَبُ الفَرَسِ وأَقْطارُه ما أَشرَفَ منه كالعُنُقِ والمَنْسِج وقيل نواحِيه كلها وقال دُكَينُ ابنُ رجاء
أَشَمّ خِنْذِيذٌ مُنِيفٌ شُعَبُهْ ... يَقْتَحِمُ الفارِسَ لولا قَيْقَبُه
الخِنْذِيذُ الجَيِّدُ من الخَيْلِ وقد يكون الخصِيَّ أَيضاً وأَرادَ بقَيْقَبِه سَرْجَه والشَّعْبُ القَبيلةُ العظيمةُ وقيل الحَيُّ العظيمُ يتَشَعَّبُ من القبيلةِ وقيل هو القبيلةُ نفسُها والجمع شُعوبٌ والشَّعْبُ أَبو القبائِلِ الذي يَنْتَسِبُون إِليه أَي يَجْمَعُهُم ويَضُمُّهُم وفي التنزيل وجعَلناكم شُعُوباً وقبائِلَ لتعارَفُوا قال ابن عباس رَضي اللّه عنه في ذلك الشُّعُوبُ الجُمّاعُ والقبائلُ البُطُونُ بُطونُ العرب والشَّعْبُ ما تَشَعَّبَ من قَبائِل العرب والعجم وكلُّ جِيلٍ شَعْبٌ قال ذو الرمة
لا أَحْسِبُ الدَّهْرَ يُبْلي جِدَّةً أَبداً ... ولا تَقَسَّمُ شَعْباً واحداً شُعَبُ
والجَمْعُ كالجَمْعِ ونَسَب الأَزهري الاستشهادَ بهذا البيت إِلى الليث فقال وشُعَبُ الدَّهْر حالاتُه وأَنشد البيت وفسّره فقال أَي ظَنَنْت أَن لا يَنْقَسِمَ الأَمرُ الواحد إِلى أُمورٍ كثيرةٍ ثم قال لم يُجَوِّد الليثُ في تفسير البيت ومعناه أَنه وصفَ أَحياءً كانوا مُجتَمِعينَ في الربيعِ فلما قَصَدُوا المَحاضِرَ تَقَسَّمَتْهُم المياه وشُعَب القومِ نِيّاتُهم في هذا البيت وكانت لكلِّ فِرْقَةٍ منهم نِيَّة غيرُ نِيّة الآخَرينَ فقال ما كنتُ أَظُنُّ أَنَّ نِيَّاتٍ مختَلِفةً تُفَرِّقُ نِيَّةً مُجْتمعةً وذلك أَنهم كانوا في مُنْتَواهُمْ ومُنْتَجَعِهم مجتمعين على نِيَّةٍ واحِدةٍ فلما هاجَ العُشْبُ ونَشَّتِ الغُدرانُ توزَّعَتْهُم المَحاضِرُ وأَعْدادُ المِياهِ فهذا معنى قوله ولا تَقَسَّمُ شَعْباً واحداً شُعَبُ وقد غَلَبَتِ الشُّعوبُ بلفظِ الجَمْعِ على جِيلِ العَجَمِ حتى قيل لمُحْتَقرِ أَمرِ العرب شُعُوبيٌّ أَضافوا إِلى الجمعِ لغَلَبَتِه على الجِيلِ الواحِد كقولِهم أَنْصاريٌّ والشُّعوبُ فِرقَةٌ لا تُفَضِّلُ العَرَبَ على العَجَم والشُّعوبيُّ الذي يُصَغِّرُ شأْنَ العَرَب ولا يَرَى لهم فضلاً على غيرِهم وأَما الذي في حديث مَسْروق أَنَّ رَجلاً من الشُّعوبِ أَسلم فكانت تؤخذُ منه الجِزية فأَمرَ عُمَرُ أَن لا تؤخذَ منه قال ابن الأَثير الشعوبُ ههنا العجم ووجهُه أَن الشَّعْبَ ما تَشَعَّبَ من قَبائِل العرب أَو العجم فخُصَّ بأَحَدِهِما ويجوزُ أَن يكونَ جمعَ الشُّعوبيِّ وهو الذي يصَغِّرُ شأْنَ العرب كقولِهم اليهودُ والمجوسُ في جمع اليهوديِّ والمجوسيِّ والشُّعَبُ القبائِل وحكى ابن الكلبي عن أَبيه الشَّعْبُ أَكبرُ من القبيلةِ ثم الفَصيلةُ ثم العِمارةُ ثم البطنُ ثم الفَخِذُ قال الشيخ ابن بري الصحيح في هذا ما رَتَّبَه الزُّبَيرُ ابنُ بكَّارٍ وهو الشَّعْبُ ثم القبيلةُ ثم العِمارةُ ثم البطنُ ثم الفَخِذُ ثم الفصيلة قال أَبو أُسامة هذه الطَّبَقات على ترتِيب خَلْق الإِنسانِ فالشَّعبُ أَعظمُها مُشْتَقٌّ من شَعْبِ الرَّأْسِ ثم القبيلةُ من قبيلةِ الرّأْسِ لاجْتماعِها ثم العِمارةُ وهي الصَّدرُ [ ص 501 ] ثم البَطنُ ثم الفخِذُ ثم الفصيلة وهي الساقُ والشعْبُ بالكسرِ ما انْفَرَجَ بينَ جبلين وقيل هو الطَّريقُ في الجَبَلِ والجمعُ الشِّعابُ وفي المَثَل شَغَلَتْ شِعابي جَدْوايَ أَي شَغَلَتْ كَثرةُ المؤُونة عَطائي عن الناسِ وقيل الشِّعْبُ مَسِيلُ الماءِ في بَطْنٍ منَ الأَرضِ لهُ جُرْفانِ مُشْرِفانِ وعَرْضُهُ بطْحَةُ رَجُلٍ والشُّعْبة الفُرْقة تقول شَعَبَتْهم المنية أَي فرَّقَتْهم ومنه سميت المنية شَعُوبَ وهي معرفة لا تنصرف ولا تدخلها الأَلف واللام وقيل شَعُوبُ والشَّعُوبُ كِلْتاهُما المَنِيَّة لأَنها تُفَرِّقُ أَمّا قولهم فيها شَعُوبُ بغير لامٍ والشَّعوبُ باللام فقد يمكن أَن يكونَ في الأَصل صفةً لأَنه من أَمْثِلَةِ الصِّفاتِ بمنزلة قَتُولٍ وضَروبٍ وإِذا كان كذلك فاللامُ فيه بمنزلتِها في العَبّاسِ والحَسَنِ والحَرِثِ ويؤَكِّدُ هذا عندَكَ أَنهم قالوا في اشْتِقاقِها إِنها سُمِّيَتْ شَعُوبَ لأَنها تَشْعَبُ أَي تُفَرِّقُ وهذا المعنى يؤَكِّدُ الوَصْفِيَّةَ فيها وهذا أَقْوى من أَن تُجْعَلَ اللام زائدةً ومَن قال شَعُوبُ بِلا لامٍ خَلَصَتْ عندَه اسْماً صريحاً وأَعْراها في اللفظ مِن مَذْهَبِ الصفةِ فلذلك لم يُلْزمْها اللام كما فَعَلَ ذلك من قال عباسٌ وحَرِثٌ إِلاَّ أَنَّ روائِحَ الصفةِ فيه على كلِّ حالٍ وإِنْ لم تكن فيه لامٌ أَلا ترَى أَنَّ أَبا زيدٍ حَكَى أَنهم يُسَمُّونَ الخُبزَ جابِرَ بن حبَّة ؟ وإِنما سَمَّوهُ بذلك لأَنه يَجْبُر الجائِعَ فقد تَرَى معنى الصِّفَةِ فيه وإِن لم تَدْخُلْهُ اللامُ ومِن ذلك قولهم واسِطٌ قال سيبويه سَمَّوهُ واسِطاً لأَنه وَسَطَ بينَ العِراقِ والبَصْرَة فمعنى الصفةِ فيه وإِن لم يكن في لفظِه لامٌ وشاعَبَ فلانٌ الحياةَ وشاعَبَتْ نَفْسُ فلانٍ أَي زَايَلَتِ الحَياةَ وذَهَبَت قال النابغة الجعدي
ويَبْتَزُّ فيه المرءُ بَزَّ ابْنِ عَمِّهِ ... رَهِيناً بِكَفَّيْ غَيْرِه فَيُشاعِبُ
يشَاعِبُ يفَارِق أَي يُفارِقُه ابنُ عَمِّه فَبزُّ ابنِ عَمِّه سِلاحُه يَبْتَزُّه يأْخُذُه
وأَشْعَبَ الرجلُ إِذا ماتَ أَو فارَقَ فِراقاً لا يَرْجِعُ وقد شَعَبَتْه شَعُوبُ أَي المَنِيَّة تَشْعَبُه فَشَعَب وانْشَعَب وأَشْعَبَ أَي ماتَ قال النابغة الجعدي