الذين يُحْيُونَ ما أَماتَ الناسُ من سُنَّتِي وفي حديث آخر إِنّ الإِسلامَ بَدأَ غريباً وسيعود غريباً كما بَدأَ فطوبَى للغُرباءِ أَي إِنه كان في أَوّلِ أَمْرِه كالغريبِ الوحيدِ الذي لا أَهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ وسيعودُ غريباً كما كان أَي يَقِلُّ المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغُرباء فطُوبى للغُرَباء أَي الجنةُ لأُولئك المسلمين الذين كانوا في أَوّل الإِسلام ويكونون في آخره وإِنما خَصَّهم بها لصبْرهم على أَذى الكفار أَوَّلاً وآخراً ولُزومهم دينَ الإِسلام وفي حديث آخر أُمَّتِي كالمطر لا يُدْرَى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها قال وليس شيءٌ من هذه الأُحاديث مخالفاً للآخر وإِنما أَراد أَن أَهلَ الإِسلام حين بَدأَ كانوا قليلاً وهم في آخر الزمان يَقِلُّون إِلاَّ أَنهم خيارٌ ومما يَدُلُّ على هذا المعنى الحديثُ الآخر خِيارُ أُمَّتِي أَوَّلُها وآخِرُها وبين ذلك ثَبَجٌ أَعْوَجُ ليس منكَ ولَسْتَ منه ورَحَى اليدِ يُقال لها غَريبة لأَنّ الجيران يَتعاورُونها بينهم وأَنشد بعضُهم
كأَنَّ نَفِيَّ ما تَنْفِي يَداها ... نَفِيُّ غريبةٍ بِيَدَيْ مُعِينِ
والمُعينُ أَن يَسْتعينَ المُدير بيد رجل أَو امرأَة يَضَعُ يده على يده إِذا أَدارها واغْتَرَبَ الرجلُ نَكَح في الغَرائبِ وتَزَوَّجَ إِلى غير أَقاربه وفي الحديث اغْتَرِبُوا لا تُضْوُوا أَي لا يتزوّج الرجلُ القرابة القريبةَ فيجيءَ ولدُه ضاوِيّاً والاغْتِرابُ افتِعال من الغُرْبة أَراد تَزَوَّجُوا إِلى الغرائب من النساءِ غير الأَقارب فإِنه [ ص 640 ] أَنْجَبُ للأَولاد ومنه حديث المُغِيرة ولا غريبةٌ نَجِيبةٌ أَي إِنها مع كونها غريبةً فإِنها غيرُ نَجيبةِ الأَولاد وفي الحديث إِنّ فيكم مُغَرِّبين قيل وما مُغَرِّبون ؟ قال الذين يَشترِكُ فيهم الجنُّ سُمُّوا مُغَرِّبين لأَنه دخل فيهم عِرْقٌ غريبٌ أَو جاؤُوا من نَسَبٍ بعيدٍ وقيل أَراد بمشاركة الجنّ فيهم أَمْرَهم إِياهم بالزنا وتحسينَه لهم فجاء أَولادُهم عن غير رِشْدة ومنه قولُه تعالى وشارِكْهُم في الأَموال والأَولاد ابن الأَعرابي التغريبُ أَن يأْتي ببنينَ بِيضٍ والتغريبُ أَن يأْتِيَ ببَنينَ سُودٍ والتغريبُ أَن يَجْمَعَ الغُرابَ وهو الجَلِيدُ والثَّلْج فيأْكلَه وأَغْرَبَ الرجلُ صار غريباً حكاه أَبو نصر
وقِدْحٌ غريبٌ ليس من الشجر التي سائرُ القِداحِ منها ورجل غريبٌ ليس من القوم ورجلٌ غريبٌ وغُرُبٌ أَيضاً بضم الغين والراءِ وتثنيته غُرُبانِ قال طَهْمانُ بن عَمْرو الكِلابيّ
وإِنيَ والعَبْسِيَّ في أَرضِ مَذْحِجٍ ... غَريبانِ شَتَّى الدارِ مُخْتلِفانِ
وما كان غَضُّ الطَّرْفِ منا سَجِيَّةً ... ولكننا في مَذْحِجٍ غُرُبانِ
والغُرباءُ الأَباعِدُ أَبو عمرو رجل غَريبٌ وغَريبيٌّ وشَصِيبٌ وطارِيٌّ وإِتاوِيٌّ بمعنى والغَريبُ الغامِضُ من الكلام وكَلمة غَريبةٌ وقد غَرُبَتْ وهو من ذلك وفرس غَرْبٌ مُتَرامٍ بنفسه مُتَتابعٌ في حُضْره لا يُنْزِعُ حتى يَبْعَدَ بفارسه وغَرْبُ الفَرَسِ حِدَّتُه وأَوَّلُ جَرْيِه تقول كَفَفْتُ من غَرْبه قال النابغة الذبياني
والخَيْلُ تَمْزَعُ غَرْباً في أَعِنَّتِها ... كالطَّيْرِ يَنْجُو من الشُّؤْبُوبِ ذي البَرَدِ
قال ابن بري صوابُ انشادِهِ والخيلَ بالنصب لأَنه معطوف على المائة من قوله
الواهِبِ المائةَ الأَبْكارَ زَيَّنَها ... سَعْدانُ تُوضِحَ في أَوبارِها اللِّبَدِ
والشُّؤْبُوبُ الدَّفْعةُ من المَطر الذي يكون فيه البَرَدُ والمَزْعُ سُرْعةُ السَّيْر والسَّعْدانُ تَسْمَنُ عنه الإِبل وتَغْزُر أَلبانُها ويَطِيبُ لحمها وتُوضِحُ موضع واللِّبَدُ ما تَلَبَّدَ من الوَبر الواحدةُ لِبْدَة التهذيب يقال كُفَّ من غَرْبك أَي من حِدَّتك والغَرْبُ حَدُّ كلِّ شيء وغَرْبُ كلِّ شيءٍ حَدُّه وكذلك غُرابه وفرسٌ غَرْبٌ كثيرُ العَدْوِ قال لبِيد
غَرْبُ المَصَبَّةِ مَحْمودٌ مَصارِعُه ... لاهي النَّهارِ لسَيْرِ الليلِ مُحْتَقِرُ
أَراد بقوله غرْبُ المَصَبَّة أَنه جَوَادٌ واسِعُ الخَيْر والعَطاء عند المَصَبَّة أَي عند إِعْطاءِ المال يُكْثِرُه كما يُصَبُّ الماءُ وعينٌ غَرْبةٌ بعيدةُ المَطْرَح وإِنه لغَرْبُ العَين أَي بعيدُ مَطْرَح العين والأُنثى غَربةُ العين وإِياها عَنَى الطِّرمَّاحُ بقوله
ذَاكَ أَمْ حَقْباءُ بَيْدانَةٌ ... غَرْبةُ العَيْنِ جَهادُ المَسَامْ
وأَغْرَبَ الرجلُ جاءَ بشيءٍ غَريب وأَغْرَب عليه وأَغْرَب به صَنَع به صُنْعاً قبيحاً الأَصمعي أَغْرَب الرجلُ في مَنْطِقِه إِذا لم يُبْقِ شَيْئاً إِلاَّ تكلم [ ص 641 ] به وأَغْرَبَ الفرسُ في جَرْيه وهو غاية الاكثار وأَغْرَبَ الرجلُ إِذا اشْتَدَّ وجَعُه من مرضٍ أَو غيره قال الأَصمعي وغيره وكُلُّ ما وَاراك وسَتَرك فهو مُغْرِبٌ وقال ساعدة الهُذَليُّ
مُوَكَّلٌ بسُدُوف الصَّوْم يُبْصِرُها ... من المَغارِبِ مَخْطُوفُ الحَشَا زَرِمُ