كتاب لسان العرب - ط المعارف (اسم الجزء: 1)

وبِتْنا كأَنَّا ضَيْفُ جِنٍّ بِلَيْلة والجانُّ أَبو الجِنِّ خُلق من نار ثم خلق منه نَسْلُه والجانُّ الجنُّ وهو اسم جمع كالجامِل والباقِر وفي التنزيل العزيز لم يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانّ وقرأَ عمرو بن عبيد فيومئذ لا يُسْأَل عن ذَنْبِه إنْسٌ قَبْلَهم ولا جأَنٌّ بتحريك الأَلف وقَلْبِها همزةً قال وهذا على قراءة أَيوب السَّخْتِيالي ولا الضَّأَلِّين وعلى ما حكاه أَبو زيد عن أَبي الإصبغ وغيره شأَبَّة ومأَدَّة وقول الراجز
خاطِمَها زأَمَّها أَن تَذْهَبا
( * قوله « خاطمها إلخ » ذكر في الصحاح
يا عجباً وقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأَمها أن تذهبا ... فقلت أردفني فقال مرحبا )
وقوله
وجلَّه حتى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهْ وعلى ما أَنشده أَبو علي لكُثيّر وأَنتَ ابنَ لَيْلَى خَيْرُ قَوْمِكَ مَشْهداً إذا ما احْمأََرَّت بالعَبِيطِ العَوامِلُ وقول عِمْران بن حِطَّان الحَرُورِيّ قد كنتُ عندَك حَوْلاً لا تُرَوِّعُني فيه رَوائع من إنْسٍ ولا جاني إنما أَراد من إنسٍ ولا جانٍّ فأَبدل الونَ الثانية ياءً وقال ابن جني بل حذف النونَ الثانية تخفيفاً وقال أَبو إسحق في قوله تعالى أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ روي أَن خَلْقاً يقال لهم الجانُّ كانوا في الأَرض فأَفسَدوا فيا وسفَكوا الدِّماء فبعث اللهُ ملائكتَه أَجْلَتْهم من الأَرض وقيل إن هؤلاء الملائكةَ صارُوا سُكَّانَ الأَرض بعد الجانِّ فقالوا يا رَبَّنا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفسِد فيها أَبو عمرو الجانُّ من الجِنِّ وجمعُه جِنَّانٌ مثل حائطٍ وحِيطانٍ قال الشاعر فيها تَعَرَّفُ جِنَّانُها مَشارِبها داثِرات أُجُنْ وقال الخَطَفَى جَدّ جرير يصف إبلاً يَرْفَعْنَ بالليل إذا ما أَسْدَفا أَعْناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا وفي حديث زيد بن مقبل جِنَّان الجبال أَي يأْمرون بالفَساد من شياطين الإنس أَو من الجنِّ والجِنَّةُ بالكسر اسمُ الجِنّ وفي الحديث أَنه نَهى عن ذبائح الجِنّ قال هو أَن يَبْنِيَ الرجلُ الدارَ فإذا فرغ من بِنائها ذَبح ذَبيحةً وكانوا يقولون إذا فُعل ذلك لا يَضُرُّ أَهلَها الجِنُّ وفي حديث ماعزٍ أَنه صلى الله عليه وسلم سأَل أَهلَه عنه فقال أَيَشْتَكي أَم به جِنَّةٌ ؟ قالوا لا الجِنَّةُ بالكسر الجُنونُ وفي حديث الحسن لو أَصاب ابنُ آدمَ في كلِّ شيء جُنَّ أَي أُعْجِبَ بنفسِه حتى يصير كالمَجْنون من شدَّةِ إِعْجابِه وقال القتيبي وأَحْسِبُ قولَ الشَّنْفَرى من هذا فلو جُنَّ إنْسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ وفي الحديث اللهم إني أَعوذ بك من جُنونِ العَمَلِ أَي من الإعْجابِ به ويؤكِّد هذا حديثُه الآخر أَنه رأَى قوماً مجتمعين على إنسان فقال ما هذا ؟ فقالوا مَجْنونٌ قال هذا مُصابٌ إنما المَجْنونُ الذي يَضْرِبُ بِمَنْكِبَيه وينظرُ في عَطْفَيْه ويتَمَطَّى في مِشْيَتِه وفي حديث فَضالة كان يَخِرُّ رجالٌ من قامَتِهم في الصلاة من الخَصاصةِ حتى يقولَ الأَعْرابُ مجانين أَو مَجانُون المَجانِينُ جمعُ تكسيرٍ لمَجْنونٍ وأَما مَجانون فشاذٌّ كما شذَّ شَياطُون في شياطين وقد قرئ واتَّبَعُوا ما تَتْلُو الشَّياطون ويقال ضلَّ ضَلالَه وجُنَّ جُنونَه قال الشاعر هَبَّتْ له رِيحٌ فجُنَّ جُنونَه لمَّا أَتاه نَسِيمُها يَتَوَجَّسُ والجانُّ ضرْبٌ من الحيَّاتِ أَكحَلُ العَيْنَين يَضْرِب إلى الصُّفْرة لا يؤذي وهو كثير في بيوت الناس سيبويه والجمعُ جِنَّانٌ وأَنشد بيت الخَطَفَى جدّ جرير يصف إبلاً أَعناقَ جِنَّانٍ وهاماً رُجَّفا وعَنَقاً بعدَ الرَّسيم خَيْطَفا وفي الحديث أَنه نهَى عن قَتْلِ الجِنَّانِ قال هي الحيَّاتُ التي تكون في البيوت واحدها جانٌّ وهو الدقيقُ الخفيف التهذيب في قوله تعالى تَهْتَزُّ كأَنَّها جانٌّ قال الجانُّ حيَّةٌ بيضاء أَبو عمرو الجانُّ حيَّةٌ وجمعُه جَوانٌ قال الزجاج المعنى أَن العصا صارت تتحرَّكُ كما يتحرَّكُ الجانُّ حركةً خفيفةً قال وكانت في صورة ثُعْبانٍ وهو العظيم من الحيَّاتِ ونحوَ ذلك قال أَبو العباس قال شبَّهها في عِظَمِها بالثعْبانِ وفي خِفَّتِها بالجانِّ ولذلك قال تعالى مرَّة فإذا هي ثُعْبانٌ ومرَّة كأَنها جانٌّ والجانُّ الشيطانُ أَيضاً وفي حديث زمزم أَن فيها جِنَّاناً كثيرةً أَي حيَّاتٍ وكان أَهلُ الجاهليَّة يسمّون الملائكةُ عليهم السلام جِنّاً لاسْتِتارِهم عن العيون قال الأَعشى يذكر سليمان عليه السلام وسَخَّرَ من جِنِّ الملائِكِ تِسعةً قِياماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بلا أَجْرِ وقد قيل في قوله عز وجل إلا إبليس كان من الجنِّ إنه عَنى الملائكة قال أَبو إسحق في سِياق الآية دليلٌ على أَن إبليس أُمِرَ بالسجود مع الملائكة قال وأَكثرُ ما جاء في التفسير أَن إبليس من غير الملائكة وقد ذكر الله تعالى ذلك فقال كان من الجنّ وقيل أَيضاً إن إبليس من الجنّ بمنزلة آدمَ من الإنس وقد قيل إن الجِنّ ضرْبٌ من الملائكة كانوا خُزَّانَ الأَرض وقيل خُزّان الجنان فإن قال قائل كيف استَثْنَى مع ذكْر الملائكة فقال فسجدوا إلا إبليس كيف وقع الاستثناء وهو ليس من الأَول ؟ فالجواب في هذا أَنه أَمَره معهم بالسجود فاستثنى مع أَنه لم يَسْجُد والدليلُ على ذلك أَن تقول أَمَرْتُ عَبْدي وإخْوتي فأَطاعوني إلا عَبْدي وكذلك قوله تعالى فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين فرب العالمين ليس من الأَول لا يقد أَحد أَن يعرف من معنى الكلام غير هذا قال ويَصْلُحُ الوقفُ على قوله ربَّ العالمين

الصفحة 704