كتاب لمحات في الثقافة الإسلامية

المصطلحات التي تجري على الألسن دون أن تتضح مدلولاتها في أذهان مستعمليها أو يكونوا متفقين على ما بها يعنون من ذلك كلمات: الجمال والشعر والخيال والأدب والمثالية، وغيرها كثير؛ وذلك أن هناك فرقًا واضحًا بين الأشياء الحسية التي يتلقاها الإنسان بحواسه الظاهرة ويجري عليها تجاربه المتنوعة، ويبرئها من التأثير بمزاجه وعواطفه، وبين الأشياء الروحية والمعنوية التي يصعب إخضاعها للتجارب المحدودة، والنواميس الثابتة لتغيرها واتصالها بالطبائع والانفعالات؛ فالأولى يمكن تعريفها بدقة أو قريب من ذلك كالمثلث والجزيرة والأجسام الصلبة والسائلة، والثانية: تجد معانيها مبهمة غير محدودة حتى في البيئة الواحدة بين المشتغلين بها. وقد يحتال بعض الباحثين للخروج من هذا الإبهام؛ فيضع تعاريف عامة تتناول أكثر المعاني الجزئية؛ ولكن ذلك يزيد في غموضها إذ لا يعرف القارئ أي المعاني يراد، وربما كان خيرًا منه ذلك الذي يذكر للكلمة ما يريد لها من معنى في موضوعه، ثم يشير إلى أن لها معاني أخرى في غير هذا المقام"1.
__________
1 أحمد الشايب: "أصول النقد الأدبي" ص16.
الثقافة في اللغات الأجنبية:
إن المشكلة في تعريف الثقافة ليست مشكلة خاصة بنا بل هي مشكلة الإنسان وعلاقة اللغة بالفكر، وما يطرأ على هذا الفكر من تطور يتجلى في انتقاله من الأمور المحسوسة أو المادية، إلى المفاهيم المجردة والأمور المعنوية. وفي حركته من البسيط إلى المركب وما يطرأ على هذا وذاك من نمو يتزايد أحيانًا حتى يبلغ حد التركيب المعقد، وقد تختفي صورته البسيطة الأولى إزاء ما يتراكم عليه من صور جديدة؛ ومن هنا يحاول الباحثون عند بحث مشكلة التعريف للأمور المعنوية -وهو إطلاق الاسم على شيء ما- أن يتتبعوا أصل التعريف: أي معرفة المدلول الذي كان مرادًا عند بدء إطلاق الاسم على الشيء.. ثم البحث

الصفحة 27