كتاب لمحات في الثقافة الإسلامية

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} 1.
2- أما من يحيا في رحاب الإيمان، ويعتصم بحبله المتين، ويستضيء بنوره المشرق، فهو يعيش حياته في رؤية واضحة، يدرك بها حكمة الله الأزليَّة، ورحمته بخلقه، وسنته في هذا المكان، وقضاءه النافذ، وقدرته البالغة، فتطمئن بذلك نفسه، وتصفو سريرته؛ لأنه يوقن أن ما أصابه لم يكن لِيُخْطِئهُ، وما أخطأه لم يكن لِيُصِيبهُ، فلا يتسرب إلى قلبه الشك، ولا ينفذ إلى وجدانه القلق، بل يسير في دنياه بخطىً ثابتة موزونة، ويسعى إلى أن يبلغ ما يصبو إليه من نهاية صالحة ومصير كريم.
قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} 2.
فالمؤمن إنسان موصول القلب بالله تبارك وتعالى تزوِّدُه صلته هذه بطاقة كبرى من اليقين والثقة، والعزيمة والصبر، تأتيه النعم الوفيرة فلا يبطر ولا يستكبر، بل يشكر ربه على آلائه، ويحمده على مزيد نعمائه، وتصيبه المحن، وتحل به الشدائد، فلا يقنط ولا ينهار أو
__________
1 الحج: "11".
2 البينة: "7-8".

الصفحة 344