كتاب لمحات في الثقافة الإسلامية

تمزق قلبه الهموم والحسرات.. بل يعتصم بالصبر، ويرضى بالقدر، ويستمسك بعزائم الأمور.
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} 1.
عن صُهَيبِ بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"عجبًا لأمر المؤمن، إِنَّ أمره كٌلَّهُ له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" 2.
3- ولقد وصف الله تبارك وتعالى هذا الإيمان -وهو مقياس حق وعدل واطمئنان.. بأنه روح يبعث الحياة الخيرة الكريمة في كيان الإنسان، ويخرجه من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية، فإذا هو إنسان سويٌّ كيس فَطِنٌ، يسير في مدارج الكمال، ويؤدي لكل ذي حق حقه، وينفع نفسه والناس، ويحب لإخوانه ما يحب لنفسه، ينظر إلى الحياة نظرة المتجاوب مع ما فيها من خير وبر ومُثُلِ رفيعة، لا تغره بما تقدم من زخارف، ولا تأسره بما تتيح من متع، بل يمر بها في جوانبها هذه كأنه غريب أو عابر سبيل، ويراها على حقيقتها -دون بهرج أو خداع- متعةً زائلةً، وسحابةً عارضةً، وحطامًا تافهًا لا يتعلق به عاقل، فهي عنده كما قال فيها سبحانه:
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا
__________
1 الشورى: "43".
2 رواه مسلم.

الصفحة 345