كتاب اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب
أما إذا جاء كل منهما منفردًا عن الآخر، كما في قوله - تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (¬1) وكما في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (¬2)، فإن كلا منهما - بمفرده - يدل على إثبات الرحمة لله، باعتبارها صفة ذاتية لله، وباعتبارها صفة فعلية له - تعالى (¬3).
والفرق بين «الرحمن» و «الرحيم» من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن بينهما عمومًا وخصوصًا، من حيث اللفظ، فالرحمن اسم خاص با لله - تعالى - لا يسمى به غيره (¬4)، كاسم «الله»، و «الرزاق».
بل إن «الرحمن» يُعد عند طائفة من أهل العلم، ثاني اسم من أسماء الله - تعالى، لقوله - تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا
¬_________
(¬1) سورة الإسراء، الآية: 110.
(¬2) سورة الأحزاب، الآية: 43.
(¬3) وقد أخطأ من فسر الرحمة بالإحسان، أو بإرادة الإحسان، لأن هذا كله من آثار الرحمة.
(¬4) ذكر الطبري في «تفسيره» 1: 134: إجماع الأمة على منع التسمي بالرحمة وانظر «معالم التنزيل» للبغوي 1: 38، «أحكام القرآن» للقرطبي 1: 105 - 106. قال ابن القيم - رحمه الله: «ولما كان هذا الاسم مختصًا به تعالى» حسن مجيئه مفرًا غير تابع كمجئ اسم الله كذلك - يعني في نحو قوله تعالى {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ} سورة الرحمن الآية 1، وقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه الآية: 5، وقوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} سورة الملك الآية: 20 وغير ذلك. انظر «بدائع الفوائد» 1: 23 - 24.