كتاب مع الناس

في الطريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب عليّ وما شعرت إلا وقد صرت في فمه، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلّصني منه ويقول: "لقمة بلقمة"، ولم أفهم مراده.
فسألَتْه عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير، نزعت اللقمة من فمها لتتصدق بها فنزع الله ولدها من فم الأسد.
والصدقة تدفع البلاء ويشفي بها الله المريض ويمنع بها الله الأذى، وهذه أشياء مجربة، وقد وردت فيها الآثار. والذي يؤمن بأن لهذا الكون إلهاً هو يتصرف فيه وبيده العطاء والمنع، وهو الذي يشفي وهو يسلّم، يعلم أن هذا صحيح، والملحد ما لنا معه كلام.
والنساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف، وإن كانت المرأة -بطبعها- أشد بخلاً بالمال من الرجل. وأنا أخاطب السيدات وأرجو ألاّ يذهب هذا الكلام صرخة في واد مقفر، وأن يكون له أثره، وأن تنظر كل واحدة من السامعات الفاضلات ما الذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمة أو ثياب أولادها، ومما ترميه ولا تحتاج إليه من فرش بيتها، ومما يفيض عنها من الطعام والشراب، فتفتش عن أسرة فقيرة يكون هذا لها فرحة الشهر.
ولا تعطي عطاء الكبر والترفع، فإن الابتسامة في وجه الفقير (مع الفرنك تعطيه له) خير من ليرة تدفعها إليه وأنت شامخ الأنف متكبر مترفع. ولقد رأيت بنتي الصغيرة بنان -من سنين- تحمل صحنين لتعطيهما الحارس في رمضان، قلت: تعالي يا بنت،

الصفحة 12