كتاب مع الناس

الشيخ عيد السفرجلاني، وإذا فيها بنات يقرأن ويصحن ويلعبن، فسلكت على «التجارية» (¬1) فإذا دارها الكبيرة في زقاق الفخر الرازي خلاء قواء وإذا هي قد انقلبت إلى الخيْضَريّة فاتخذت فيها داراً، ورأيت «الجقمقية» (¬2) القاعة التاريخية الجميلة، والمدرسة الأثرية الجليلة فإذا هي قد اتُّخذت داراً.
فذهبت وأنا أحسّ الألم يقطع في كبدي والأسى يحزّ في قلبي، ووددت لو أن الله قبضني إليه قبل أن أرى مدارسنا الإسلامية لا تستطيع أن تعيش في البلد الإسلامي ولا تجد من يشد أزرها ويأخذ بيدها. وأممت شارع بغداد، أروّح عن نفسي بخضرة البساتين وجمال الكون وانطلاق الهواء ومنظر الجبل، فما راعني إلا أفواج من الناس قد ازدحمت على باب بناء كبير كأنه قلعة من القلاع أو قصر من القصور، حتى لقد كادت تسد بكثرتها الشارع العريض ... ما راعني إلا الناس على باب «مدرسة اللاييك» يتدافعون ويتزاحمون كأنهم على باب الجنة، فكل يطمع أن يسبق
¬__________
(¬1) مدرسة مستحدثة أسسها طائفة من تجار دمشق، وكانت قبيل الحرب وأوائله أرقى مدرسة ثانوية في دمشق، وكان مديرها والدي الشيخ مصطفى الطنطاوي رحمه الله.
(¬2) هي شمال الجامع الأموي، أسسها سنجر الهلالي وولده شمس الدين فانتزعها الملك الناصر حسن سنة 761 وأمر بعمارتها، فبنيت بالحجر الأبلق وجاءت في غاية الحسن، واحترقت في فتنة تيمور فجدد بنيانها سيف الدين جقمق وخص الخانقاه بالصوفية وأضاف إليها مدرسة للأيتام وتربة. وفي هذه المدرسة تخرّج أكثر رجال دمشق المعروفين اليوم على يد الشيخ عيد رحمه الله.

الصفحة 217