كتاب مع الناس

إليها، وكلما فتح الباب لواحد لحظته العيون بالغيظ ورمقته بالحسد. فسألت قوماً أعرفهم ينظرون كما أنظر: ماذا هناك؟
فقالوا: هم المسلمون يريدون أن يسلموا أبناءهم إلى رجال اللاييك ليصبوا في قلوبهم ما يشاؤون من عقائد باطلة في الدين، وعواطف زائفة في الوطنية، وزهادة في اللغة، وكره للتاريخ الإسلامي والقومية العربية، ويدفعون إليهم الأموال الطائلة، وما يشترون بها إلا الكفر لأبنائهم والزيغ والإلحاد، وحبّ الغريب وبغض القريب، وما يشترون إلا أعداء لهم ولأوطانهم يحاربونهم ويغزونهم في أخلاقهم وعقائدهم، وهم قد انحدروا من أصلابهم، وخرجوا من ظهورهم؛ أفرأيت بلاء أشدّ، وخزياً أكبر، من أن يحاربونا بأبنائنا ويأخذوا على ذلك أموالنا؟
فقلت: لا والله! وسرت، أخشى أن يتمزق والله من الألم كبدي، فمررت على «مدرسة الفرير» فإذا الجموع أكثر والازدحام أشدّ، والمسلمون يرجون الخوري ... أن يُنسي أبناءهم القرآن ليحفظهم الإنجيل، ويبغّض إليهم محمداً وأبا بكر وعمر ويحبب إليهم بطرس ولويس ونابليون ... فسرت مسرعاً، لا يطول بي وقوف فتحرقني نار الحزن، وأخذت طريقي إلى مدرستي أسلك إليها شارع البرلمان، فإذا على باب «مدرسة الفرنسيسكان» أمام الكنيسة الفخمة جمهور من المسلمين لا يحصيهم عدّ، يأخذون بأيدي بناتهم ليدخلوهن إليها ... فعدت أدراجي إلى شارع الصالحية فأخذت حافلة (الترامواي) إلى مدرستي في حيّ المهاجرين في لحف جبل قاسيون.
ولم يستقر بي في المدرسة مقام حتى أقبل علينا شيخ من

الصفحة 218