كتاب مع الناس

نحن المذنبون
نشرت سنة 1945

اهتزت الأرض لمَا كرَثَ (¬1) دمشق، وزُلزلت الدنيا لما أصابها، وانبرت أقلام بواتر تناصرها في محنتها، وازدلفت إليها الوفود تمسح جراحها وتلعن جَرّاحها، ولم تبق في المشرق والمغرب صحيفة لم تتلُ أخبارها وتصف حريقها ودمارها، وأنا في فراشي قد ملكتني الحُمّى فلم أشارك قومي في جهاد ولم أبذل لهم (وطالما كنت باذلاً) قلمي هذا الضعيف ولساني.
كنت أطل من شبّاكي على دمشق (وداري -كما يعلم من يعلم من القراء- تعلو عن دمشق ضاربة في الجبل مئتي متر) فأرى مساقط القنابل وأشاهد مواقع القذائف، وأبصر النار تأكل بلدي
¬__________
(¬1) هذا الفعل قليلٌ استعمالُه، غير أن الاسم منه معروف، وهو «الكارثة». نقول: «كَرَثَه» الأمر: إذا اشتد عليه وبلغ منه المشقة، ومثله أَكْرَثَه (كلاهما بالتعدية)، أما اللازم منه: «اكترَثَ للأمر» فمعناه حزن لأجله، وبالنفي: «ما أكتَرِثُ للأمر»: ما أبالي به ولا أهتم له. ويبدو أن الكارثة المقصودة هنا هي العدوان الفرنسي الكبير على دمشق في أيار من تلك السنة، وتجدون عنه تفصيلاً في الحلقة 134 من «الذكريات» (الطبعة الجديدة: 5/ 107 - 115) (مجاهد).

الصفحة 45