كتاب مع الناس

خنعنا، ولا أخافتنا فرنسا يوم كانت فرنسا وكان لها في الأرض سلطان وبين الأعزة الأقوياء مكان.
* * *
ولئن فاتني الكلام في «حادثة الشام» فما فاتني أن أكتب «على هامشها»، وإن لديّ صوراً وإن في يدي عِبَراً، إذا وفق الله وواليت نشرها في الرسالة اجتمع منها كتاب (¬1). ولست أعيد ما قاله الكتّاب ولا أحب أن أعرّف المعروف، ولقد فرغ الناس من الحكم على فرنسا ومدنيتها، وخرست ألسن كانت تسبّح بحمدها وتمجّد حضارتها، وما تحمد منها -أقسم بالله- إلا مطارح الهوى الفاجر ومسارح الفن الداعر! وجفت أقلام كانت في أرضنا «جيشاً خامساً»، وما حديث الجيش الخامس ببعيد ... فلم يبق إلا أن نسوق صوراً لا يراها إلا القريب المشاهِد وعِبَراً لا يتنبّه لها إلا الرقيب المفكّر، وأن ننذر قومنا يوماً أشد وخطباً أعمّ إذا لم يقطعوا أسبابه ولم يُغلقوا بابه.
وإن أول ما ينبغي أن نخرج به من هذا الذي كان أن نعلم أن الله عادل لا يصيب قوماً إلا بما قدّمت أيديهم. وإن من بديع صنعه لهذه الأمة أن يبعث لها هذه الشدائد تنبيهاً من غفلتها كلما غفلت وتوقظها إذا نامت، وإن من أسرار هذه العربية أن الابتلاء هو الامتحان، وأن الله يمتحننا ليرى: أنفوز في الامتحان أم نكون من الخاسرين؟ فتعالوا يا إخواننا نحاسب أنفسنا وننظر من أين أُتينا؟
¬__________
(¬1) ولعل بعض هذه الصور والعبر هي التي جاء منها -من بعد- كتاب: «دمشق، صور من جمالها وعِبَر من نضالها» (مجاهد).

الصفحة 47