كتاب من أسرار التنزيل

الثالث : وهو ان كل مسألة يتوقف العلم بصدق الرسول على العلم بصحتها فإنه يمكن إثباتها بالدلائل السمعية.
ومسألة الوحدانية كذلك ، فلا جرم ذكر العلماء أنه يمكن إثبات أن الإله واحد بالدلائل السمعية.
وإذا كان الأمر كذلك ، كان المقصود من هذه الشهادة أن يستدل بها على وحدانية الله تعالى.
السؤال الثانى : أنه تعالى نهى العباد أن يمدحوا أنفسهم ، فقال : (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ).
ثم مدح نفسه ، وأثنى على نفسه ، فما السبب ؟
والجواب من وجوه :
الأول : وهو أنه إذا حصل للواحد منا نوع فضيلة فذلك فضل الله وكرمه ، والمستحق للثناء هو الله ، حيث اعطى تلك الفضيلة ، فلا جرم يقبح من الواحد منا أن يثنى على نفسه. أما الحق سبحانه فإنه قد حصلت له صفات الكمال ، ونعوت الجلال على
وجه يمتنع زواله وتغيره ، فظهر الفرق.
الثانى من الفرق : أن ما فينا من الخصال الممدوحة لا ينفك عن أضدادها فإن علمنا مشوب بالجهل وقدرتنا مشوبة بالضعف ، وملكنا لغرض الهلاك ، وبقاءنا لغرض الفناء ، وحياتنا لغرض الموت ، وأما صفات الله تعالى فإنها خالية عن أضدادها ، فإنه عالم بلا جهل ، وقادر بلا عجز ، وملك بلا زوال ، وبقاء بلا فناء ، وحياة بلا موت ، وعز بلا ذل ، فظهر الفرق.
الثالث : أن الله تعالى إنما نهى عبده عن تزكية نفسه لأن العبد يقدم الدعوى على إظهار المعنى ، فأما الحق سبحانه وتعالى فإنه كان أظهر المعنى قبل الدعوى ، لأنه خلقك وأعطاك الحياة والعقل ، وأنواع المنافع ، فإظهار الدعوى بعد إقامة البرهان على المعنى يكون مستحسناً ، بخلاف حال العبد

الصفحة 127