كتاب من أسرار التنزيل

وتمام القول فيه : أن الإنسان الذى يكون قلبه مفتوناً بدنياه مأسوراً فى الشهوات ، يكون سكران عن الآخرة حيران عن الله لم يحصل فيه اليقين ألبتة ، لأن قلبه مملؤ بالميل إلى غير الله فلا يحصل فيه الميل إلى الله ، أما إذا حصل فى القلب اليقين بأن كان الأمر بخلاف ذلك : وذلك لأن اليقين سمى يقيناً لإستقراره فى القلب ، وهوالنور يقال : يقن الماء فى الحفرة إذا أستقر فيها وإذا أستقر النور دام ، وإذا دام صارت النفس ذات بصيرة ، فاطمأن القلب بجلال الله ، ثم أنقطع عن غير الله ، فوقف هناك عاجزا، فاستغاث بالله صارخاً مضطراً ، فأجابه الحق ، فإنه يحجيب دعوة المضطرين فتفرق ذلك النور المتلألئ فى القلب ، فأنمحقت به ظلمات الأشتغال بغير الله ، فيصير الملكوت مشاهداً له ، وهو قول حارثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم " كأنى أنظر إلى عرش ربى بارزاً " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " عبد نور الإيمان قلبه ".
ومما يحقق ما قلناه قوله عليه الصلاة والسلام : " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير ، مخلصاً بهاروحه ، مصدقاً بها قلبه ولسانه ، فتقت له السموات فتقاً حتى يظهر الرب إلى قائلها من أهل الدنيا " .

الصفحة 134