كتاب من أسرار التنزيل

المؤمنون بالإبصار من غير إحاطة ، ولا إدراك نهاية ..
وروى عنه أيضاً أنه قال : غاية المعرفة الدهشة والحيرة
وقال الشبلى : من أشار اليه فهو ثنوى ، ومن كيفه فهو وثنى ، ومن نطق فيه فهو غافل ،ومن سكت عنه فهو جاهل ، ومن وهم أنه واجد فهو فاقد ، وكل ما ميزتموه بأفهامكم ، وأدركتموة بعقولكم فهو مصروف مردود اليكم ، محدث مصنوع مثلكم.
واعلم أن من الناس من احتج فى هذه المسأله بآيات ، منها قوله تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
قال أهل التفسير : وما عرفوه حق معرفته. من قدر الثواب إذا حزره وأراد معرفة مقداره.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف ، لأن هذه الآية وردت فى كتاب الله تعالى فى ثلاثة مواضع.
أولها فى سورة الأنعام : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ).
فهؤلآء الذين قالوا : (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ). كانوا منكرين كل النبوة ، ومن كان كذلك كان كافر ، فقوله تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ). عائد إلى هؤلآء.
وثانيها : قال الله تعالى فى سورة الحج : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ). فلماكان الكلام مع عبدة الأوثان كان هذا الكلام قائداً اليهم.
ثالثها : قال الله تعالى فى سورة الزمر : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ). ثم قال بعد هذا :

الصفحة 138