كتاب المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية

وفتوى الزيارة وشد الرحال، وغيرها.
هذا مع ما "حصل له في بعض سَجَنَاته من منع الدواة والقلم، وإِخراج ما عنده من الكتب والورق.
والحاصل أن شيخ الإسلام قد جمع بين الحسنيين: القوة العلمية والقوة العملية فصار له بذلك قدم صدق في الإسلام وانتفعت به الأمة في حياته وبعد مماته وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ... وكأن ابن القيم -رحمه الله تعالى- لما تكلم عن فضل اجتماع هاتين القوتين في كتاب: "طريق الهجرتين ص ٢٣٣" قصد شيخ الإِسلام فقال: "فمن الناس من يكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفًا في القوة العملية يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف، وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله، ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية، وتكون أغلب القوتين عليه، وتقتضي هذه القوة السير والسلوك والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، والجد والتشمير في العمل، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات، كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات، فداء هذا من جهله، وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم؛ بل على طريق الذوق والوجد والعادة ... فمن كانت

الصفحة 25