كتاب المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية

فَسُحْقًا لعشاق: العصبية -الطبقية- الذين يتغنون بأَمجاد أَسلافهم وقد تسفلوا، ويستعلون على الناس بأهليهم وأذوائهم وقد تقذروا؛ ليُقال لهم: نعم الآباء ولكن بئس ما خلفوا، وإن افتخار المرء بوصف أَبيه، مثل افتخار الكوسج بلحية أخيه، أما من جمع بين الحسنيين، وفاز بالفضيلتين، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وهكذا كان شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى- فلم يركن إلى الدنيا، وأخذ يتغنى بآبائه فيقول: والدي مفتي الحنابلة، وجدِّي المجد شيخ الإِسلام ... بل سلك جادة العلم والإِيمان حتى صار زينة لأهل الإِسلام.
٥ - لا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال به، ولا تكل من البحث فيه، وقل أن يدخل في علم إلا ويفتح له فيه؛ ولهذا قال الذهبي: "ما رأيته إلا ببطن كتاب".
قال السخاوي في: "الجواهر والدرر: ١/ ١١٧" بسنده عن الشمس بن الديري قال: "سمعت علاء الدين البسطامي ببيت المقدس يقول: وقد سأله هل رأيت الشيخ تقي الدين بن تيمية؟ فقال: نعم، قلت: فكيف كانت صفته؟ فقال. هل رأيت قبة الصخرة؟ قلت: نعم، قال: كان كقبة الصخرة مُلِيء كُتبًا ولها لسان يَنْطِق" انتهى.
هذا مع انصراف عن أُمور الدنيا انصرافًا كليًّا، إذْ ليس له من المعلوم إلا اليسير، وقد تكفّل أخوه شرف الدِّين بشؤونه.
وهذا يفيد الدرس الآتي: وهو عدم اجتماع الضدِّين فكما أن:

الصفحة 29