كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ويشرح مراحل السائرين بين هذه المنازل، وليس في العنوان إشارة من قريب أو بعيد إلى أنه شرح لكتاب منازل السائرين للهروي. وإذا نظرنا إلى قول المؤلف في مقدمة الكتاب: «ونحن ننبه على هذا بالكلام على فاتحة الكتاب وأم القرآن وما تضمنته من الرد ... وما تضمنته من منازل السائرين ومقامات العارفين ... »، ثم إلى الفصل الذي عقده «في منازل (إياك نعبد) التي ينتقل فيها القلب منزلة منزلة في حال سيره إلى الله»، وشروعه بعد ذلك في الكلام على المنازل ونَقْل كلام الهروي وشرحه وتعقبه، ثم إلى افتتاحه أكثر المنازل بقوله: «ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين ... » = إذا نظرنا إلى كل ذلك رأينا العنوان مطابقًا لمنهج الكتاب، ومحتواه، وسياسة المؤلف في تأليفه. فإن الغرض من إنشاء الكتاب: بيان المنهج الصحيح لتزكية النفس، وإصلاح التصوف من خلال الكلام على منازل السائرين للهروي بالإضافة إلى تبرئته مما يزعمه أصحاب وحدة الوجود أنه منهم؛ فلم يَعْقِد المؤلفُ كتابَه ابتداءً على شرحِ كتابِ المنازلِ أو انتقاده.
ولكن يبدو أنه خشي فيما بعد أن هذا العنوان الذي يطابق بناء الكتاب قد يضر بغرض تأليفه، إذ ليس في ألفاظ العنوان ما يجذب طلاب التزكية والراغبين في كتب المتصوفة إلى قراءة هذا الكتاب، فأحبَّ أن يصرّح في العنوان بأنه في شرح «منازل السائرين» ليقبلوا عليه، ويحصل المقصود، فاختار «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين».
ولا شك أن الكتاب شرح «منازل السائرين»، ولكنه ليس شرحًا كالشروح المعروفة، ولم يتَّبع فيه المنهج المألوف في شرح الكتب كما سيأتي، ثم هذا العنوان لا ينبئ بأن الكتاب في مادته ومنهجه يختلف عن شرح
والأشباح. لكن المحجوبون إنّما أدركوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدَّوابِّ، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك.
الموضع الرّابع: من ذكر يوم الدِّين، فإنّه اليوم الذي يدين الله العبادَ فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسّيِّئات. وما كان الله ليعذِّب أحدًا قبل إقامة الحجّة عليه، والحجّةُ إنّما قامت برسله وكتبه، وبهم استُحِقَّ الثَّواب والعقاب، وبهم قام سوق يوم الدِّين، وسيق الأبرار إلى النَّعيم، والفجَّار إلى الجحيم.
الموضع الخامس: من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، فإنّ ما يُعبَد (¬١) به تعالى لا يكون إلّا ما يحبُّه ويرضاه. وعبادته هي: شكُره، وحسنُه (¬٢) فطريٌّ معقولٌ للعقول السّليمة، لكنّ طريق التّعبد وما يُعبد به لا سبيل إلى معرفته إلّا برسله. وفي هذا بيان أنّ إرسال الرُّسل أمرٌ مستقرٌّ في العقول، يستحيل تعطيلُ العالم عنه كما يستحيل تعطيلُه عن الصّانع؛ فمن أنكر الرَّسولَ فقد أنكر المُرْسِلَ ولم يؤمن به. ولهذا يجعل سبحانه الكفرَ برسوله كفرًا به.
الموضع (¬٣) السادس: من (¬٤) قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فالهداية هي البيان والدَّلالة، ثمّ التَّوفيق والإلهام، وهو بعد البيان والدَّلالة، ولا سبيل إلى البيان والدَّلالة إلّا من جهة الرُّسل. فإذا حصل البيان والدَّلالة والتَّعريف ترتَّب عليه هدايةُ التَّوفيق، وجعلُ الإيمان في القلب، وتحبيبُه إلى
---------------
(¬١) ضبطه بعضهم في الأصل: "تعبّد" بالتاء وتشديد الباء.
(¬٢) ش: "خشيته"، وفي هامشها: "وحُسْنُه" مع علامة "ظ" فوقه.
(¬٣) ع: "والموضع".
(¬٤) "من" ساقطة من ش، ج.

الصفحة 12