كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
كتابنا ثابت النسبة إلى مؤلفه ابن قيم الجوزية - رحمه الله -، ولم يشك في صحتها أحد فيما نعلم. وقد ذكر صاحب «كشف الظنون» (٢/ ١٦٤٠) كتابًا لابن الجوزي باسم «مدارج السالكين»، ولا ندري ما مصدره، وهو أيضًا لم يقف على نسخة منه ليذكر أولها. وقد رأينا أنه يحدث الخلط أحيانًا بين ابن الجوزي وابن قيم الجوزية، ولكن حاجي خليفة لم يخلط بين الكتاب الذي نسبه إلى ابن الجوزي وبين كتابنا الذي سمَّاه «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين»، فذكرهما كتابين مستقلين. هذا في حرف الميم، ثم ذكره مرة أخرى ضمن شروح «منازل السائرين». والدلائل على صحة نسبة الكتاب إلى ابن القيم متوافرة متظافرة، نذكر هنا جملة منها:
١) فأولها ذكرُه في ثبت مؤلفاته في كتب التراجم، وأهمُّ هذه الكتب: «ذيل طبقات الحنابلة» لتلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي، ذكره أولًا في ترجمة شيخ الإسلام الهروي (١/ ١٥٠)، ثم في ترجمة شيخه ابن القيم (٥/ ١٣٥). وذكره الحافظ ابن حجر في «الدرر الكامنة» (٥/ ١٣٩). وعلى كتابَي ابن رجب وابن حجر اعتمدت الكتب الأخرى في ذكر كتاب المدارج ضمن مؤلفات ابن القيم.
٢) ومن الدلائل: إجماع نُسَخ الكتاب الخطية، القديمة منها والمتأخرة، على نسبته إلى ابن القيم.
٣) ومنها ما اقتبسه العلماء من كتابنا مع الإحالة الصريحة عليه، وسيأتي ذكر هذه النقول في مبحث الصادرين عن الكتاب.
وللهداية (¬١) مرتبةٌ أخرى ــ وهي آخر مراتبها ــ وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنّة، وهو الصِّراط المُوصِل إليها. فمن هُدي في هذه الدّار إلى صراط الله المستقيم، الذي أرسل به رسوله، وأنزل به كتابه، هُدي هناك إلى الصِّراط المستقيم المُوصِل إلى جنّته ودار ثوابه. وعلى قدر ثبوت قدمه على هذا الصِّراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدّار، يكون ثبوتُ قدمه على الصِّراط المنصوب على متن جهنّم. وعلى قدر سيره على هذا الصِّراط يكون سيرُه على ذاك الصِّراط. فمنهم من يمرُّ كالبرق، ومنهم من يمرُّ كالطَّرْف، ومنهم من يمرُّ كشدِّ الرِّكاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمرُّ مشيًا، ومنهم من يحبو حَبْوًا، ومنهم المخدوش المسلَّم، ومنهم المُكَرْدَس (¬٢) في النّار. فلينظر العبد سيرَه على ذلك الصِّراط من سيره على هذا، حذوَ القُذَّة بالقُذَّة جزاءً وفاقًا {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: ٩٠].
ولينظر الشّهوات والشبهات (¬٣) التي تعُوقه عن سيره على هذا الصِّراط المستقيم، فإنّها الكلاليب التي بجنبتَيْ ذاك الصِّراط، تخطَفه وتعُوقه عن المرور عليه؛ إن كثرت هنا وقويت، فكذلك هي هناك، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} [فصلت: ٤٦].
---------------
(¬١) ق: "الهداية".
(¬٢) وهو الذي تجمع يداه ورجلاه ويلقى في النار. وقد جاء هذا اللفظ في "المستدرك" (٤/ ٥٨٣، ٥٨٩) وغيره. وفي حديث البخاري (٧٤٣٩) ومسلم (١٨٣) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "مكدوس"، أي مطروح.
(¬٣) ع: "الشبهات والشهوات".