كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
وإنكارهم محبة الله من أكثرمن ثمانين وجهًا في كتابنا المسمى (قرة عيون المحبين وروضة قلوب العارفين)، وذكرنا فيه وجوب تعلق المحبة بالحبيب الأول من جميع طرق الأدلة النقلية والعقلية والذوقية والفطرية ... ».
ثم قال في المجلد الثاني (ص ٢٨٧) بعد بحث مسألة: هل يبقى الاشتياق عند لقاء المحبوب أو يزول: «وقد ذكرنا هذه المسألة مستقصاةً وتوابعَها في كتابنا الكبير في المحبَّة ... ». وبمثله وصفه في المجلد الثالث (ص ٣٨٤) بعد ما ذكر أن جميع طرق الأدلة تدل على إثبات محبة العبد لربه والرب لعبده، فقال: «وقد ذكرنا لذلك قريبا من مائة طريق في كتابنا الكبير في المحبة، وذكرنا فيه فوائد المحبة وما تثمر لصاحبها من الكمالات وأسبابها وموجباتها والرد على من أنكرها ... ».
نضم إلى ما سبق قوله في طريق الهجرتين (ص ١٢٤): «قد ذكرنا مجموع هذه الطرق فى كتابنا الكبير فى المحبة الذي سميناه «المورد الصافي، والظل الضافي» في المحبة وأَقسامها وأَنواعها وأَحكامها وبيان تعلقها بالإله الحق دون ما سواه، وذكرنا من ذلك ما يزيد على مائة وجه».
هذه النصوص مع دلالتها على أنها صدرت جميعًا عن قلم واحد وتأكيد نسبتها إلى مؤلفها، تفيد أيضًا أن الكتاب الذي أشار إليه في موضعين بقوله: «كتابنا الكبير في المحبة» هو «قرة عيون الموحدين وروضة قلوب العارفين»، وأن «المورد الصافي والظل الضافي» المذكور في طريق الهجرتين عنوان آخر للكتاب نفسه.
أما كتاب «تحفة النازلين بجوار رب العالمين»، فأحال عليه المؤلف في مسألة التحسين والتقبيح العقليين والرد على نفاته فقال: «وقد بينا بطلان
الموضع الثامن: من ذكر المنعَم عليهم، وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضّلال. فانقسم النّاس بحسب معرفة الحقِّ والعمل به إلى هذه الأقسام الثّلاثة، لأنّ العبد إمّا أن يكون عالمًا بالحقِّ، أو جاهلًا به؛ والعالمُ بالحقِّ إمّا عاملٌ بموجبه أو مخالفٌ (¬١) له. فهذه أقسام المكلَّفين لا يخرجون عنها البتّة. فالعالِمُ بالحقِّ العاملُ به هو المنعَم عليه. وهو الذي زكَّى نفسه بالعلم النّافع والعمل الصّالح، وهو المفلح {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: ٩]. والعالِمُ به المتَّبِع هواه هو المغضوب عليه. والجاهل بالحقِّ هو الضّالُّ.
والمغضوب عليه ضالٌّ عن هداية العمل، والضَّالُّ مغضوبٌ عليه لضلاله عن العلم الموجِب للعمل؛ فكلٌّ منهما ضالٌّ مغضوبٌ عليه، ولكنَّ تاركَ العمل بالحقِّ بعد معرفته به أولى بوصف الغضب وأحقُّ به. ومن هاهنا كان اليهود أحقَّ به، وهو متغلِّظٌ في حقِّهم، كقوله تعالى في حقِّهم: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: ٩٠]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} (¬٢) [المائدة: ٦٠].
والجاهلُ بالحقِّ أحقُّ باسم الضّلال. ومن هاهنا وُصِفت النّصارى به في قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)} [المائدة: ٧٧].
---------------
(¬١) ع: "إما أن يكون عاملًا بموجبه أو مخالفًا".
(¬٢) في ع زيادة: " {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} الآية".