كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

هذاالمذهب من ستين وجها في كتابنا المسمى (تحفة النازلين بجوار رب العالمين) وأشبعنا الكلام في هذه المسألة هناك، وذكرنا جميع ما احتج به أرباب هذا المذهب وبطلانه». هذا ما قاله في (١/ ٣٦٠)، ولكن أحال من قبل (١/ ١٤٠) ومن بعد (٤/ ٥١٠) لهذه المسألة نفسها على كتاب «مفتاح دار السعادة»، فقال في الموضع الأول: «ولهذ الأصل لوازم وفروع كثيرة فاسدة، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير المسمى (مفتاح دار السعادة ... ) وبينا فساد هذا الأصل من نحو ستين وجها».ومثله في الموضع الآخر. فيحتمل أن يكون كتاب «تحفة النازلين» مثل كتاب «التحفة المكية» مجموعا مستقلا قيَّد فيه فوائد ثم نقلها إلى كتبه الأخرى، أو عنوانًا آخر للتحفة المكية نفسها.
٦) ومنها ما نثره المؤلف - رحمه الله - في فصول كثيرة من الكتاب من أقوال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وآرائه وترجيحاته، ينقل بعضها من كتبه، ويروي بعضها عنه شفاها.
٧) ومنها مناقشات المؤلف واحتجاجاته وترجيحاته في مباحث عديدة اشترك فيهاهذا الكتاب وغيره من كتب المؤلف، ومنها ما أحال لها على كتبه الأخرى التي أشرنا إليها آنفا، نحو مسألة التحسين والتقبيح، ومسألة حب الله لخلقه، وغيرهما. ثم أسلوب المؤلف ونفَسه ومنهجه في الكلام على المسائل الخلافية وغير ذلك من خصائص كتبه=كلُّ ذلك مستعلن في كتابنا هذا أيضا، بحيث لو حذف عنوان الكتاب واسم مؤلفه لم يشكّ قارئه في كونه من تأليف ابن القيم - رحمه الله -.
* * * *
فالأولى في سياق الخطاب مع اليهود، والثّانية في سياقه مع النّصارى. وفي "التِّرمذيِّ" و"صحيح ابن حبّان" (¬١) من حديث عديِّ بن حاتمٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اليهود مغضوبٌ عليهم، والنّصارى ضالُّون".
ففي ذكر المنعَم عليهم وهم من عرَف الحقَّ واتَّبعه، والمغضوبِ عليهم وهم من عرَفه واتَّبع هواه، والضّالِّين وهم من جَهِلَه= ما يستلزم ثبوت الرِّسالة والنُّبوّة، لأنّ انقسام النّاس إلى ذلك هو الواقع المشهود، وهذه القسمة إنّما أوجبها ثبوت الرِّسالة (¬٢).
وأضاف النِّعمة إليه، وحذف فاعل الغضب لوجوهٍ:
منها: أنّ النِّعمة هي الخير والفضل، والغضب من باب الانتقام والعدل، والرّحمةُ تغلب الغضب؛ فأضاف إلى نفسه أكملَ الأمرين وأسبقَهما وأقواهما. وهذه طريقة القرآن في إسناد الخيرات والنِّعم (¬٣) إليه، وحذفِ الفاعل في مقابلها (¬٤)، كقول مؤمني الجنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ
---------------
(¬١) الترمذي (٢٩٥٣) وابن حبان (٦٢٤٦، ٧٢٠٦). وأخرجه أيضًا أحمد (١٩٣٨١) وابن خزيمة في "التوحيد" (٣١٤ - نشرة الزهيري) والطبري (١/ ١٨٦) وغيرهم من حديث سِماك بن حرب عن عبَّاد بن حُبَيش عن عدي بن حاتم. وعبَّاد لا يُعرَف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه غير سماك، ولذا قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك. ولكن له طرق وشواهد يتقوى بها، ينظر لبعضها: "الصحيحة" (٣٢٦٣). والحديث صححه شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (١/ ٦٤) والألباني.
(¬٢) سقط هنا من مصورة ق مقدار ورقة لالتصاق الورقة الخامسة بالرابعة فيما يظهر.
(¬٣) ش: "النعم والخيرات".
(¬٤) ع: "مقابلتها".

الصفحة 17