كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

موضوع الكتاب وترتيب مباحثه
الكتاب معقود على بيان أصول تزكية النفس التي هي أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام على أعمال القلوب ومنازل السلوك التي يتنقل بينها القلب في السير إلى الله، والتنبيه على ما طرأ من الزيغ والانحراف في وصفها وتحديدها عند المتصوفة.
وهو في ذلك صنو كتابه الآخر «طريق الهجرتين وباب السعادتين». وكما اختار فيه ابن القيم للوصول إلى غرضه كتاب «محاسن المجالس» لابن العريف ــ وهو مبني على كتاب «علل المقامات» لأبي إسماعيل الهروي ــ اختار لكتابنا هذا كتاب «منازل السائرين» لأبي إسماعيل نفسه، لكونه كتابا مشهورًا بين السالكين من أهل السنة وغيرهم.
واختار إلى ذلك شرحًا واحدًا من شروحه، وهو شرح العفيف التلمساني لأنه صيَّر أبا أسماعيل بشرح كلامه من القائلين بوحدة الوجود. وقد ذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام» (١٠/ ٤٨٩) أنه رأى الاتحاديةَ تعظِّم «كتاب المنازل» وتنتحله وتزعم أنه على تصوفهم الفلسفي. واشتهر شرح التلمساني، وأقبل عليه طلاب السلوك، فاشتد البلاء، وتفاقم الخطر، فانبرى ابن القيم لشرح «كتاب المنازل» وبيان ما له وما عليه، مع الرد على عقيدة وحدة الوجود والانحرافات الأخرى من خلال نقده لكلام التلمساني، وتبرئة شيخ الإسلام الهروي من هذه العقيدة الباطلة.
ولكن قارئ الكتاب يستغرب أن ابن القيم لم يشر في أوله من قريب أو بعيد إلى أنه قصد به إلى شرح «كتاب منازل السائرين» لأبي إسماعيل
على البرِّ والفاجر والمؤمن والكافر. وأمّا الإحسان المطلق فللّذين اتّقوا والّذين هم محسنون (¬١).
الوجه الثاني: أنّ الله سبحانه هو المتفرِّد (¬٢) بالنِّعم {بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ} (¬٣) [النحل: ٥٣]، فأضيف إليه ما هو متفردٌ به. وإن أضيف إلى غيره فلكونه طريقًا ومجرًى للنِّعمة. وأمّا الغضب على أعدائه فلا يختصُّ به، بل ملائكته وأنبياؤه ورسله وأولياؤه يغضبون لغضبه، فكان في لفظة {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} من الإشعار بموافقة أوليائه له في غضبه ما لم يكن في "غضبت (¬٤) عليهم". وكان في لفظة {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من الدِّلالة على تفرُّده بالإنعام، وأنّ النِّعمة المطلقة منه وحده، هو المتفرد بها= ما ليس في لفظة "المنعَم عليهم" (¬٥).
الوجه (¬٦) الثّالث: أنّ في حذف فاعل الغضب من الإشعار بإهانة المغضوب عليه وتحقيره وتصغير شأنه ما ليس في ذكره. وفي ذكر فاعل النِّعمة من إكرامِ المنعَم عليه والإشادةِ بذكره ورفعِ قدره ما ليس في حذفه. فإذا رأيت من قد أكرمه ملِكٌ وشرَّفه ورفَع قدره، فقلتَ: هذا الذي أكرمه
---------------
(¬١) انظر: "بدائع الفوائد" (٢/ ٤٢٥ - ٤٢٧).
(¬٢) ع: "المنفرد" هنا وفيما يأتي.
(¬٣) وقع في جميع النسخ: "فما بكم"، وقد أصلح بعضهم في م.
(¬٤) ج: "غضبنا"، تحريف.
(¬٥) ذكر السهيلي هذا الوجه في "نتائج الفكر" (ص ٢٣٨). وانظر: "بدائع الفوائد" (٢/ ٤٢٢).
(¬٦) ع: "والوجه".

الصفحة 19