كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
الهروي، بل الاسم الذي اختاره لكتابه في أول الأمر ــ وهو: «مراحل السائرين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين» ــ لم يكن يدل أيضًا على أن الكتاب في شرح «منازل السائرين». فهل غيَّر ابن القيم خطة الكتاب في أثناء تأليفه؟ لننظر أولا في البناء العام للكتاب.
يمكن أن نقسم الكتاب لفهم تأليفه إلى الأقسام الآتية:
١) خطبة الكتاب (١/ ١ - ٩)
الخطبة كلها تدور حول فضل القرآن ومنزلته في حياة المسلمين، فهو الصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الآراء والأهواء، وهو الهدى والنور، وحياة القلوب وشفاء الصُّدور، والعروة الوثقى التي لا انفصام لها. وهو الكفيل بمصالح العباد في المعاش والمعاد. ولكن طوائف كثيرة من عامة المسلمين وخاصتهم هجروه، وعزلوه عن منصبه بطرق مختلفة من التأويل وغيره، واستفزَّتهم آراء الرجال و أنواع الجدل وضروب الأقيسة والإشارات والشطحات. وختم المصنف هذه الخطبة بأنه سينبه على ذلك بالكلام على سورة الفاتحة وعلى بعض ما تضمنته من الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، وكذلك ما تضمنته من منازل السائرين ومقامات العارفين، والفرق بين وسائلها وغاياتها، ومواهبها وكسبياتها.
٢) تفسير سورة الفاتحة (١/ ١٠ - ١٧١)
ومن المباحث التي يشتمل عليها:
- إثبات السورة للنبوة من ثماني جهات.
- فصول في تفسير الصراط المستقيم وسؤال الهداية.
السُّلطان، وخلَع عليه، وأعطاه، ومنَّاه= كان أبلغ في الثّناء والتّعظيم من قولك: هذا الذي أُكرِمَ وخُلِعَ عليه وشُرِّف وأُعطِي.
وتأمّل سرًّا بديعًا في ذكر السّبب والجزاء للطّوائف الثّلاثة بأوجز لفظٍ وأخصره، فإنّ الإنعام عليهم يتضمّن إنعامَه بالهداية التي هي العلم النّافع والعمل الصّالح، وهي الهدى ودين الحقِّ، ويتضمّن كمالَ الإنعام بحسن الثّواب والجزاء، فهذا تمام النِّعمة، ولفظة {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} تتضمّن الأمرين.
وذكرُ غضبه على المغضوب عليهم يتضمّن أيضًا أمرين: الجزاء بالغضب الذي موجَبُه غاية العذاب والهوان، والسَّبب الذي استحقُّوا به غضبه سبحانه؛ فإنّه أرحم وأرأف من أن يغضب عليهم بلا جنايةٍ منهم ولا ضلالٍ، وكان الغضب عليهم مستلزمًا لضلالهم. وذكرُ الضّالِّين مستلزمٌ لغضبه عليهم وعقابه لهم، فإنَّ من ضلَّ استحقَّ العقوبة التي هي موجَبُ ضلاله وغضب الله عليه.
فاستلزم وصفُ كلِّ واحدٍ من الطّوائف الثّلاثة للسَّبب والجزاء أبينَ استلزامٍ، واقتضاه (¬١) أكمل اقتضاءٍ، في غاية الإيجاز والبيان والفصاحة، مع ذكرِ الفاعل في أهل السّعادة، وحذفِه في أهل الغضب، وإسنادِ (¬٢) الفعل إلى السَّبب في أهل الضّلال.
وتأمَّل المقابلة بين الهداية والنِّعمة، والغضب والضّلال؛ فذكَرَ المغضوب عليهم والضّالِّين في مقابلة المهتدين المنعَم عليهم. وهذا كثيرٌ في
---------------
(¬١) ش: "واقتضاءَه".
(¬٢) ج: "وإسناده".