كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
مقدمة التحقيق
الحمد لله، والصلاة والسلام على أفضل الخلق سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فضمن مشروع «آثار الإمام ابن قيِّم الجوزية وما لحقها من أعمال» الذي شارف على التمام بحمد الله تعالى، يأتي إخراجنا لهذا الكتاب المهم في موضوعه، حيث يبحث في طريق السلوك إلى الله، ومنازل العبد التي يسير فيها في الطريق إليه ... مستجلاةً من الكتاب العزيز, من فاتحة الكتاب الكريم التي هي لبّ القرآن وخلاصته، ومن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي هي خلاصة الفاتحة ولبها. ومستجلاةً من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة، ومن طريق سلف الأمة؛ علمائها وصالحيها وزهّادِها.
ورغم أن هذا الكتاب لقي عناية من جهات متعددة تولت إخراجه، في رسائل جامعية أو في مراكز بحثية أو أعمال فردية، وبعضها اعتمد على أصول خطية، إلا أنه لم يلق العناية التي تستكمل شرائط الإخراج العلمي والاطّراد المنهجي، فأكثر الأصول الخطية التي اعتمدها محققو الطبعات السابقة كانت نُسَخًا متأخرة، كثير منها بعد ١٣٠٠ هـ، وفاتتهم نسخ مهمة للكتاب، منها النسخة التي كتبت في حياة المؤلف وقرئت عليه، وفاتت نسخٌ عديدة قريبة العهد بالمؤلف. ومعلوم أن الاعتماد على النسخ الخطية النفيسة من ركائز العمل العلمي الصحيح لإخراج نص تراثيّ، ما دام بالإمكان تحصيلها والوقوف عليها. وسيأتي الحديث عن طبعات الكتاب في موضعه من هذه التقدمة.
وخفي عليها ذلك في مطالع الأنوار من السُّنّة والكتاب!
واعجبًا! كيف ميّزت بين صحيح الآراء وسقيمها، ومقبولها ومردودها، وراجحها ومرجوحها؛ وأقرّت على أنفسها بالعجز عن تلقِّي الهدى والعلم من كلامِ مَن لا يأتيه الباطل (¬١) من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكفيل بإيضاح الحقِّ مع غاية التِّبيان؛ وكلامِ مَن أوتي جوامعَ الكلم، واستولى على الأمد الأقصى من البيان؟
كلّا! بل هي ــ واللهِ ــ فتنةٌ أعمت القلوبَ عن مواقع رشدها، وحيَّرت العقولَ عن طرائق قصدها؛ يربّى فيها الصّغير، ويهرم عليها (¬٢) الكبير.
وظنّت خفافيش البصائر أنّها الغاية التي يُسابِق (¬٣) المتسابقون إليها، والنِّهاية التي يتنافس (¬٤) المتنافسون فيها (¬٥)، وتزاحموا (¬٦) عليها. وهيهات! أين السُّهى من شمس الضُّحى، وأين الثَّرى من كواكب الجوزاء! وأين الكلام الذي لم يُضمَن (¬٧) لنا عصمةُ قائله بدليلٍ معلومٍ، من النّقل المصدَّق
---------------
(¬١) ش، ع: "من كلامٍ لا يأتيه الباطل" بحذف "مَنْ"، وضرب بعضهم عليها في ل، فإن كتاب الله هو الذي وصف في القرآن بأنه لا يأتيه الباطل. ومن ثم زِيد في بعض الطبعات بعد "مَن": "كلامُه".
(¬٢) ع: "فيها".
(¬٣) ج، ع: "تسابق"، وهو أشبه.
(¬٤) حكّ بعضهم ياء المضارع في ل ليوافق الفعل الماضي الآتي، وهو أشبه.
(¬٥) السياق في ع: "تسابق إليها المتسابقون ... فيها المتنافسون".
(¬٦) ج: "يتزاحموا" ليناسب الفعل المضارع السابق.
(¬٧) ل: "تضمن". وضبط "عصمةَ" بالنصب في ق المقابلة والمقروءة على المؤلف!
الصفحة 5
621