كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ولا تقتصر جوانب النقص في التحقيقات السابقة على قضية النُّسخ الخطية ــ على أهميتها ــ فحسب، بل تتعدى إلى سقوط نصوص كثيرة من عامة الطبعات، ومن هذه المواضع سقوط «منازل» بتمامها أو صفحات بكاملها، فقد سقط من طبعة رشيد رضا ومن طبعة الفقي (٢/ ٣١٤) مبحثٌ كامل في خمس صفحات، من قوله: «على قطع أصول ... » إلى «بطريق الرياضات .. »، وسقط من طبعة دار الصميعي ــ وهي رسائل جامعية ــ (٣/ ٢٣٠٠) منزلة كاملة، وهي منزلة البسطة أو الانبساط نحو ستّ صفحات، وسقطت عدة صفحات من طبعة دار ابن خزيمة تحقيق عامر علي ياسين (٢/ ٣٦٢) بسبب سقوط ورقة مِن مصوّرة نسخته الخطية الوحيدة!
إلى ملاحظات أخرى، سيأتي طائفة منها عند الكلام على طبعات الكتاب.
وقد عملنا على إخراج الكتاب على عشر نسخ خطية، وهو في عامة نُسَخه مكوّن من مجلدين، فُقِد المجلد الثاني في غالبها، فصار لدينا نسخ وفيرة عالية للمجلد الأول (يمثل المجلدين الأول والثاني من المطبوع)، وشح في النسخ القديمة للمجلد الثاني (يمثل الثالث والرابع) مما دعانا للنزول إلى بعض النسخ المتأخرة للاستعانة بها والاستئناس في قراءة نص المجلدين الأخيرين كما سنشرح ذلك فيما سيأتي من هذا التقديم.
وقد قدمنا عدة مباحث للكلام على الكتاب ومتعلقاته، وهي:
- تحرير عنوان الكتاب
- توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
- تاريخ تأليفه
عن القائل المعصوم! وأين الأقوال التي أعلى درجاتها أن تكون سائغة الاتِّباع، من النُّصوصِ الواجبِ على كلِّ مسلمٍ تقديمُها وتحكيمُها والتّحاكمُ إليها في محلِّ النِّزاع! وأين الآراء التي نهى قائلُها عن تقليده فيها وحذَّر، إلى النُّصوص التي فرضٌ (¬١) على كلِّ عبد أنه (¬٢) يهتدي بها ويتبصَّر! وأين المذاهب التي إذا مات أربابها فهي من جملة الأموات، إلى النُّصوص التي لا تزول إذا زالت الأرض والسّماوات!
سبحان الله! ماذا حُرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم من مشكاتها من كنوز الذّخائر! وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر! قنعوا بأقوالٍ استنبطها معاولُ الآراء فِكَرًا، وتقطَّعوا أمرهم بينهم لأجلها زُبُرًا (¬٣). وأوحى بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا، فاتّخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورًا.
درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعت ألويته وأعلامه من أيديهم فليسوا يرفعونها، وأفَلَتْ كواكبُه النّيِّرة من آفاق نفوسهم فلذلك لا يحبُّونها، وكسَفت شمسُه عند اجتماع ظُلَمِ آرائهم وعُقَدِها فليسوا يبصرونها.
خلعوا نصوص الوحي من سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولاية اليقين. وشنُّوا عليها غارات التّأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم
---------------
(¬١) هكذا ضبط في ش.
(¬٢) كذا في جميع النسخ.
(¬٣) هكذا ضبط في معظم النسخ بضم الباء، ولم يضبط في الأصل (ق). ولو ضبط بفتح الباء كما في قراءة أبي عمرو في سورة المؤمنون (٥٣) لكان أوقع في السجع.

الصفحة 6