كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

بالخلق والحكم، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنّه لا تتحرّك ذرّةٌ إلّا بإذنه، وأنّ الخلق مقهورون تحت قبضته، وأنّه ما من قلبٍ إلّا وهو بين أصابعه (¬١)، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه، فالقلوب بيده وهو مقلِّبها ومصرِّفها كيف شاء وكيف أراد، وأنّه هو الذي آتى نفوس المتقين (¬٢) تقواها، وهو الذي هداها وزكَّاها، وألهم نفوس الفجَّار فجورها وأشقاها. من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل (¬٣) فلا هادي له؛ يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضلُّ من يشاء بعدله وحكمته. هذا فضله وعطاؤه، وما فضل الكريم بممنونٍ؛ وهذا عدله وقضاؤه، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].
قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: الإيمان بالقدر نظام التَّوحيد، فمن كذَّب بالقدر نقض تكذيبُه توحيدَه، ومن آمن بالقدر صدَّق إيمانه توحيده (¬٤).
وفي هذا المشهد يتحقَّق للعبد مقامُ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬٥) علمًا وحالًا، فتَثبت قدم العبد في توحيد الرُّبوبيَّة (¬٦)، ثمَّ يرقى منه صاعدًا إلى توحيد الإلهيَّة، فإنه إذا تيقَّن أن الضرَّ والنَّفع، والعطاء والمنع، والهدى
---------------
(¬١) م، ش: «إصبعيه». ج: «إصبعين من أصابع الرحمن».
(¬٢) ش، ع: «المؤمنين».
(¬٣) ع: «يضلله».
(¬٤) سبق تخريجه (١/ ١٢٦).
(¬٥) م، ع: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وكان قد ألحق أول الآية في هامش الأصل، ثم ضُرب عليه.
(¬٦) م، ش: «في مقام توحيد الربوبية».

الصفحة 21