كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
والتوفيق إرادة الله من (¬١) نفسه أن يفعل بعبده ما يصلح به العبد، بأن يجعله قادرًا على فعل ما يرضيه، مريدًا له، محبًّا له، مؤثرًا له على غيره، ويبغِّض إليه ما يسخطه ويَكْرهه (¬٢)، وهذا مجرَّد فعلِه (¬٣) والعبد محلٌّ له؛ قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: ٧ - ٨]، فهو سبحانه عليمٌ بمن يصلح لهذا الفضل ومن لا يصلح له، حكيمٌ يضعه في مواضعه وعند أهله، لا يمنعه أهلَه ولا يضعه عند غير أهله.
وذَكَر هذا عقيب قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}، ثمَّ جاء به (¬٤) بحرف الاستدراك فقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ}. يقول سبحانه: لم تكن محبَّتكم للإيمان وإرادته وتزيينه في قلوبكم منكم، ولكن الله هو الذي جعله في قلوبكم كذلك، فآثرتموه ورضيتموه، فكذلك (¬٥) لا تقدِّموا بين يدي الله ورسوله (¬٦)، ولا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، فالذي حبَّب إليكم الإيمان أعلم بمصالح عباده وما يُصلحهم منكم، وأنتم فلولا توفيقه لكم لما أذعنَتْ نفوسكم للإيمان، فلم
---------------
(¬١) «مِن» ساقطة من ج، ن.
(¬٢) م، ش، ن، ع: «ويكرِّهه إليه». وكذا كان في الأصل ول، ثم ضرب فيهما على «إليه».
(¬٣) ش: «فضله».
(¬٤) «به» ساقطة من م.
(¬٥) رسمه في الأصل وم يحتمل: «فلذلك».
(¬٦) ع: «لا تقدموا بين يدي رسولي».