كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

فصل
فأمَّا مشهد الحيوانية وقضاء الشهوة، فمشهد الجهَّال الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوان إلَّا في اعتدال القامة ونطق اللِّسان، ليس همُّهم (¬١) إلّا مجرَّد نيلِ الشَّهوة بأيِّ طريقٍ أفضت إليها، فهؤلاء نفوسهم نفوسٌ حيوانيَّةٌ لم تترقَّ عنها إلى درجة الإنسانيَّة فضلًا عن درجة الملائكة (¬٢)، فهؤلاء حالهم أخسُّ من أن يُذكَر، وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها.
فمنهم مَن نفسه كلبيَّة: لو صادف جيفةً تُشبع ألفَ كلبٍ لوقع عليها وحَماها من سائر الكلاب ونبح كلَّ كلبٍ (¬٣) يدنو منها، فلا تقربها الكلابُ إلَّا على كُرهٍ منه وغلبةٍ، ولا يسمح لكلبٍ بشيءٍ منها؛ وهمُّه شبع بطنه من أي طعامٍ اتَّفق: ميتةٍ أو ذكيٍّ (¬٤)، خبيثٍ أو طيِّبٍ، ولا يستحيي من قبيحٍ؛ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، إن أطعمتَه بصبص بذَنَبه ودار حولك، وإن منعته هرَّك ونبحك.
ومنهم من نفسه حماريَّة: لم يُخلَق إلَّا للكدِّ والعلف، كلّما زيد في (¬٥) علفه زيد في كدِّه، أبكم الحيوان وأقلُّه بصيرةً، ولهذا مثَّل الله سبحانه به من
---------------
(¬١) ج، ن: «همَّتهم». ش، ع: «هممهم».
(¬٢) ج: «الملكيَّة».
(¬٣) كذا في الأصل، ل، ع. وفي سائر النسخ: «على كلِّ كلب». والمثبت موافق لأسلوب المؤلف حيث قال فيما يأتي: «نبحك».
(¬٤) ع: «مذكًّى».
(¬٥) ساقطة من م.

الصفحة 4