كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

أحوال النّاس، وفَهِم حينئذٍ معنى قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: ٣٣]، وقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨]. وكل ما تراه في الوجود من شرٍّ وألمٍ وعقوبةٍ وجدبٍ وخوفٍ ونقصٍ في نفسك وفي غيرك فهو من قيام الرّبِّ تعالى بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن أجراه على يد (¬١) ظالمٍ فالمسلِّط له أعدل العادلين، كما قال تعالى لمن أفسد في الأرض: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء: ٥].
فالذُّنوب مثل السُّموم مضرَّةٌ بالذَّات، فإنْ تدارَكها مِن سقيٍ بالأدوية المقاومة لها، وإلّا قهرت القوَّة الإيمانيّة وكان الهلاك، كما قال بعض السّلف: المعاصي بريد الكفر، كما أنَّ الحُمَّى بريد الموت (¬٢).
فشهود العبد نقصَ حاله إذا عصى ربّه، وتغيُّرَ القلوب عليه، وجفولَها منه، وانسدادَ الأبواب في وجهه، وتوعُّرَ المسالك عليه، وهوانَه على أهل بيته وأولاده وزوجته وإخوانه؛ وتطلُّبُ (¬٣) سبِب ذلك حتّى يعلم من أين أُتي؛ ووقوعُه (¬٤) على السّبب الموجِب لذلك= ممّا (¬٥) يقوِّي إيمانه. فإن أقلع
---------------
(¬١) ع: «يدَي».
(¬٢) قاله أبو حفص النيسابوري الزاهد (ت ٢٦٤). أسنده عنه السلمي في «الطبقات» (ص ١٠٤)، وأبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ٢٢٩)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦٨٣١).
(¬٣) ج، ن، ع: «تطلُّبُه».
(¬٤) واو العطف ساقطة من ل، م، ن. وفي ج إشارة إلى أنه في نسخة: «ووقوفه».
(¬٥) ج، ن: «ما»، تصحيف.

الصفحة 43