كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

حَمَّله كتابَه فلم يَحْمِله (¬١) معرفةً ولا فقهًا ولا عملًا، ومثَّل بالكلب عالمَ السُّوء الذي آتاه (¬٢) آياتِه فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتّبع هواه (¬٣). وفي هذين المثلَين أسرار عظيمة ليس هذا موضع ذكرها.
ومنهم من نفسه سَبُعيَّة غضبيَّة: همُّه العدوان على النَّاس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته؛ طبيعته تتقاضى ذلك (¬٤) كتقاضي طبيعة السَّبُع لما يصدر منه.
ومنهم من نفسه فأريَّة: فاسق بطبعه، مفسدٌ لما جاوره، تسبيحه بلسان الحال: سبحان من خلقه للفساد.
ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السُّموم والحُمَات (¬٥)، كالحيَّة والعقرب وغيرهما. وهذا الضَّرب هو الذي يؤذي بعينه، فيُدخل الرّجلَ القبرَ والجَمَل القِدْر (¬٦).
---------------
(¬١) ع: «فلم يعرفه»، خطأ.
(¬٢) ع: «آتاه الله».
(¬٣) الأول في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} الآية [الجمعة: ٥]، والثاني في قوله: {(١٧٤) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ... } الآيات [الأعراف: ١٧٥ - ١٧٧].
(¬٤) في الأصل وغيره: «طبيعته تتقاضاه، وذلك». ولعل المثبت من ع أقرب.
(¬٥) جمع الحُمَة بتخفيف الميم، وهي سمُّ كلِّ شيءٍ يلدغ ويلسع.
(¬٦) روي ذلك مرفوعًا بلفظ: «إن العين لتُدخل الرجل القبر والجمل القدر» , وهو حديث واهٍ لا يثبت. أخرجه ابن عدي في «الكامل» (٩/ ٦٨٢) وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٧/ ٩٠) والقُضاعي في «مسند الشهاب» (١٠٥٧, ١٠٥٨) من طريق شُعيب بن أيوب الصَّرِيفيني, عن معاوية بن هشام, عن سفيان الثوري, عن محمد بن المنكدر، عن جابر - رضي الله عنه -. قال ابن كثير في «تفسيره» (القلم: ٥١): «هذا إسناد رجاله كلهم ثقات»، وحسَّنه الألباني في «الصحيحة» (١٢٤٩). ولكنه معلول، فإن شعيبًا ومعاوية ليسا بذاك ولا يُحتَمل تفرُّدهما عن الثوري بمثله، ولذا قال أبو نعيم: «غريب من حديث الثوري، تفرَّد به معاوية». والحديث إنما يُعرف من رواية علي بن أبي علي الهاشمي عن ابن المنكدر به، كما عند ابن عدي (٨/ ٨٨) والقضاعي (١٠٥٩) وغيرهما. وعليٌّ هذا متروك منكر الحديث. وانظر: «تاريخ بغداد» (١٠/ ٣٣٧) و «المقاصد الحسنة» (٧٢٦).

الصفحة 5