كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

تحصيل مرادي (¬١).
وسمعت بعض الشُّيوخ يقول (¬٢): لو قال ملكٌ لغلامَين له بين يديه، مستغرقَين في مشاهدته والإقبال عليه: اذهبا إلى بلاد عدوِّي، فأوصلا إليهم هذه الكتب، وطالعاني بأحوالهم، وافعلا كيت وكيت؛ فأحدهما مضى (¬٣) لوجهه وبادر ما أُمِر به؛ والآخر قال: أنا لا أدع مشاهدتك، والاستغراقَ فيك (¬٤)، ودوامَ النظر إليك، وأشتغلَ (¬٥) بغيرك= لكان هذا جديرًا بمقت الملك له، وبغضه إيَّاه، وسقوطه من عينه؛ إذ هو واقفٌ مع مجرَّد حظِّه من الملك، لا مع مراد الملك منه، بخلاف صاحبه (¬٦).
وسمعته أيضًا يقول: لو أنَّ شخصين ادَّعيا محبَّة محبوبٍ، فجاءا حتى حضرا بين يديه، فأقبل أحدهما على مشاهدته والنظر إليه فقط، وأقبل الآخر على استقراء مراداته ومراضيه وأوامره ليمتثلها؛ فقال: ما تريدان؟ فقال أحدهما: أريد دوام مشاهدتك والاستغراقَ في جمالك، وقال الآخر: أريد تنفيذ أوامرك وتحصيلَ مراضيك، فمرادي منك ما تريده منِّي (¬٧)، والآخر قال: مرادي منك تمتُّعي بمشاهدتك؛ أكانا عنده سواءً؟ ومن هو صاحب
---------------
(¬١) «القشيرية» (ص ٤٤٨).
(¬٢) وقد سبق أن ذكر المؤلف نحو هذا المثال في (١/ ٤٠٥ - ٤٠٦).
(¬٣) زاد في ع: «من ساعته».
(¬٤) «فيك» من ج، ن.
(¬٥) ع: «ولا أشتغلُ»، لم يفهم السياق فزاد حرف النفي.
(¬٦) ع: «صاحبه الأول».
(¬٧) زاد في ع: «لا ما أريده أنا منك».

الصفحة 609