كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وزيِّه وقيده وإشارته ــ ولو إلى أفضل منه ــ استهجن ذلك، ورآه نقصًا، وسقوطًا من أعين النَّاس، وانحطاطًا لرتبته عندهم (¬١).
وهذا شأن الكذَّاب (¬٢) العامل على عمارة نفسه ومرتبته (¬٣). ولو كان عاملًا على مراد الله منه، وعلى الصِّدق مع الله= لأثقلته تلك القيود، وحبسته تلك الرُّسوم، ولرأى الوقوف عندها ومعها عين الانقطاع عن الله لا إليه (¬٤).
فكلام أبي القاسم الجنيد - رحمه الله - حقٌّ، كلامُ راسخٍ في الصِّدق، عالمٍ بتفاصيله وآفاته ومواضع اشتباهه بالكذب.
وأيضًا: فحمل الصِّدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلَّا أصحاب العزائم، فهم يتقلَّبون تحته تقلُّب الحامل بحمله الثقيل. والرِّياء والكذب خفيفٌ كالرِّيشة لا يجد له صاحبه (¬٥) ثقلًا البتَّة، فهو حاملٌ له في أيِّ موضعٍ اتَّفق، بلا تعبٍ ولا كلفةٍ ولا مشقَّة، ولا يتقلَّب تحت حمله ولا يجد ثقله.
وقال بعضهم: لم يَشَمَّ روائح الصِّدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره (¬٦).
---------------
(¬١) زاد في ع: «وهو قد انحطَّ وسقط من عين الله. وقد يحسُّ أحدهم ذلك من نفسه وحاله، ولا تدعه رسومه وأوضاعه وزيُّه وقيوده أن يسعى في ترميم ذلك وإصلاحه».
(¬٢) زاد في ع: «المرائي الذي يُبدي للناس خلاف ما يعلمه الله من باطنه».
(¬٣) زاد في ع: «وهذا هو النفاق بعينه».
(¬٤) زاد في ع: «ولما بالى أي ثوب لبس، ولا أي عملٍ عمل إذا كان على مراد الله من العبد».
(¬٥) كتب بعضهم في الأصل هنا: «له» فوق السطر بعد أن ضرب على الأولى، وقد كتبت بحيث إنها مع نقط الثاء بعدها تشبه «كربًا»، ولعله منشأ ما في ج، ن: «كربًا وثقلًا».
(¬٦) أسنده السلمي في «آداب الصحبة» (٨٣) ــ وعنه البيهقي في «الشعب» (٥٣٩١) والقشيري (ص ٤٨٣) ــ عن سهل بن عبد الله التستري.

الصفحة 637