كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

الحال: سبحاني، وما في الجبَّة إلَّا الله (¬١). ولا شكَّ أنَّ هذا الاعتقاد زورٌ وإن كان سببه نورًا من أنوار الأحديَّة، وصاحبه معذورٌ ما دام مستورًا عن نفسه بوارده، فإذا رُدَّ إلى رسمه وعقله وحسِّه حال ذلك الحال (¬٢)، وعلم صاحبه أنَّه كان زورًا حيث ظنَّ أنَّ الشاهد هو المشهود. فإن أنكرتم ذلك فلا كلام معكم، وإن اعترفتم به حصل المقصود. فهذا معنى كون أصدق أحوال الصادق زورًا.
وإذا عُرف هذا في الحال عرف مثله في كون أحسن أعماله ذنبًا. فإنَّه لصدقه في الطلب، وبذله الجهد في العمل، واستفراغه الوسع فيه= يغيب بذلك عن شهود الحقيقة الكونيَّة، وأنَّ المحرِّك له سواه، وأنَّه آلةٌ ومجرًى للمشيئة، وأنَّ نفسه أعجز وأضعف من أن يكون لها أو بها أو منها فعلٌ أو إرادةٌ أو حركةٌ. فإذا رجع إلى الحقيقة وشهد منَّة الله عليه، وأنَّه هو المحرِّك له، وأنَّ مشيئته هي التي أوجبت سعيه= رأى أحسن أعماله ذنبًا بهذا الاعتبار.
وأمَّا رؤيته أصفى قصوده قعودًا، فلأنَّ القاصد إلى الحقيقة متى شهد مقصوده قعد عن قصده، فإنَّ المقصود المراد أقربُ إلى اللِّسان من نطقه، وإلى القلب من قصده، فالقصد إليه: هو عين القعود عن القصد، لأنَّ القصد إنَّما يكون لبعيدٍ عن المقصود (¬٣). أمَّا من هو أقرب إلى القاصد من ذاته، فمتى شاهد القاصدُ الحقيقةَ علم أنَّ قصده عين القعود عن قصده. والعبارة تزيد هذا المعنى جفوةً، والحوالة فيه على الحال والذوق.
---------------
(¬١) انظر ما سبق في (١/ ٢٣٨) وفي (ص ٣٤٢) من هذا المجلد.
(¬٢) زاد في ع: «وزال».
(¬٣) كذا في النسخ، ولعله سبق قلم، فمقتضى السياق: «القاصد».

الصفحة 654