كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

قيل: هذه الآية فيها قولان للناس:
أحدهما: أنَّه قربه بعلمه، ولهذا قرَنَه بعلمه (¬١). وحبل الوريد هو حبل العنق: عرقٌ بين الحلقوم والودجين، متى قُطع مات صاحبه. وأجزاء القلب وهذا الحبل يحجب بعضها بعضًا، وعلمُ الله بأسرار العبد وما في ضميره لا يحجبه شيء.
والقول الثاني: أنَّه قربه من العبد بملائكته الذين يصلون إلى قلبه، فتكون (¬٢) أقرب إليه من ذلك العرق. اختاره شيخنا (¬٣)، وسمعتُه يقول: هذا مثل قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣]، وقولِه: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨]، فإنَّ جبريل عليه السَّلام هو الذي قصَّه عليه بأمر الله، فنسب تعليمه إليه إذ هو بأمره، وكذلك جبريل هو الذي قرأه عليه كما في «صحيح البخاري» (¬٤) عن ابن عبَّاس في تفسير هذه الآية: فإذا قرأه رسولُنا فأنصت لقراءته حتَّى يقضيها.
قلت له: فأوَّل الآية يأبى ذلك، قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: ١٦]. فقال: وكذلك خلقه الإنسانَ إنَّما هو بالأسباب وتخليق الملائكة.
قلت: وفي «صحيح مسلم» (¬٥) من حديث حذيفة بن أسيدٍ - رضي الله عنه - في
---------------
(¬١) زاد في ع: «بوسوسة نفس الإنسان».
(¬٢) ع: «فيكونون».
(¬٣) انظر: «مجموع الفتاوى» (٥/ ١٢٨ - ١٢٩، ٢٣٣ - ٢٣٦، ٥٠٢ - ٥٠٧).
(¬٤) برقم (٥، ٤٩٤٩، ٧٥٢٤) بمعناه. وأخرجه مسلم (٤٤٨) أيضًا.
(¬٥) برقم (٢٦٤٥).

الصفحة 658