كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

- رضي الله عنهم -، كان إذا أصبح قال: اللهمَّ إنّه لا مالَ لي فأتصدَّقَ به على النّاس، وقد تصدّقتُ عليهم بعِرضي، فمن شَتَمني أو قَذَفني فهو في حِلٍّ. فقال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يستطيع منكم أن يكون كأبي ضَمْضَمٍ؟» (¬١).
وفي هذا الجود من سلامة الصّدر، وراحة القلب، والتّخلُّص من معاداة الخلق= ما فيه.
الثّامنة: الجود بالصّبر والاحتمالِ والإغضاءِ. وهذه مرتبةٌ شريفةٌ من مراتبه، وهي أنفعُ لصاحبها من الجود بالمال، وأعزُّ له وأنصرُ، وأملكُ لنفسه، وأشرفُ لها. ولا يقدِر عليها إلّا النُّفوس الكبار.
---------------
(¬١) أخرج أبو داود (٤٨٨٧) من طريق حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن عجلان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم؟» قالوا: ومَن أبو ضمضم؟ قال: «رجل فيمن كان من قبلكم ... » الحديث، وهو مرسل. قال أبو داود: رواه هاشم بن القاسم قال عن محمد بن عبد الله العمي عن ثابت قال: حدثنا أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه. قال أبو داود: وحديث حماد أصحّ. وأخرجه أبو داود (٤٨٨٦) نحوه من طريق محمد بن ثور عن معمر عن قتادة موقوفًا. وحديث أنس الذي أشار إليه أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ١٣٧) والبزّار (٦٨٩٢) وفيه أيضًا: «كان رجلًا قبلنا». ومحمد بن عبد الله العمّي ليّن الحديث. ووهم ابن عبد البر فذكر أبا ضمضم في الصحابة وقال: روى عنه الحسن وقتادة أنه قال: «اللهم إني قد تصدَّقتُ بعرضي على عبادك». قال: وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: إنَّ رجلًا من المسلمين قال. فذكر مثله. قال ابن عبد البر: أظنُّه أبا ضمضم المذكور. («الاستيعاب» ٤/ ١٦٩٤) .. وردّ عليه ابن فتحون وابن حجر في «الإصابة» (١٢/ ٣٧٩ - ٣٨١) وبيَّنا خطأه فيما توهَّمه من أن الصحابي في حديث أبي هريرة هو أبو ضمضم، بل هو عُلبة بن زيد الأنصاري الذي رُوي عنه نحو هذه القصة. انظر: «الإصابة» (٧/ ٢٤٦ - ٢٤٨).

الصفحة 10