كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

ومجاذبته، فلا يفعل، ويَدَعُه وأثرتَه طوعًا، فهذا حسنٌ. وإن لم يقدر على ذلك كانت أثرةَ كَرْهٍ.
ويعني بالصِّحّة: الوجود، أي تُوجد كَرْهًا. ولكن إنّما تَحسُن إذا كانت طَوعًا من المستأثر عليه.
فحقيقة الإيثار بذلُ صاحبِه وإعطاؤه. والأثرة استبداده هو بالمُؤْثَر به، فيتركه وما استبدَّ به: إمّا طوعًا وإمّا كَرهًا. فكأنّك آثرتَه باستئثاره، حيث خلَّيتَ بينه وبينه ولم تُنازِعه.
قال عُبادة بن الصّامت - رضي الله عنه -: بايعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على السّمع والطّاعة، في عُسرنا ويُسرنا، ومَنْشَطِنا ومَكْرهِنا، وأَثَرةٍ علينا، وأن لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه (¬١). فالسّمع والطّاعة في العسر واليسر والمَنْشط والمَكْره لهم معه ومع الأئمّة بعده، والأَثَرة وعدمُ منازعة الأمر مع الأئمّة بعده خاصّةً، فإنّه لم يستأثر عليهم - صلى الله عليه وسلم -.
فصل
قال (¬٢): (وهو على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: أن تُؤثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يَخْرِم (¬٣) عليك دينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسِد عليك وقتًا).
يعني: أن تُقدِّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تُطعِمهم وتجوع،
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٧٠٥٦) ومسلم (١٧٠٩).
(¬٢) «المنازل» (ص ٤٤).
(¬٣) في «المنازل»: «لا يحرم».

الصفحة 13