كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

وكأنّه يسمعه وهو يتكلّم بالوحي، ويُكلِّم به عبدَه جبريل، ويأمره وينهاه بما يريد، ويُدبِّر أمر المملكة، وأملاكه صاعدةٌ إليه بالأمر، نازلةٌ من عنده به.
وكأنّه يشاهده وهو يرضى ويغضب، ويُحبُّ ويُبغض، ويُعطي ويمنع، ويضحك ويفرح، ويُثني على أوليائه بين ملائكته، ويَذُمُّ أعداءه.
وكأنّه يشاهده ويشاهد يديه الكريمتين، وقد قَبضتْ إحداهما السّماوات السّبع، والأخرى الأرضين السّبع، وقد طوى السّماواتِ السّبعَ بيمينه (¬١)، كما يُطوى السِّجلُّ على أسطر الكتاب.
وكأنّه يشاهده وقد جاء لفصل القضاء بين عباده، وأشرقت الأرض بنوره، ونادى ــ وهو قائمٌ على عرشه ــ بصوتٍ يسمعه مَن بعُدَ كما يسمعه مَنْ قَرُبَ «وعزّتي وجَلالي، لا يُجاوِزني (¬٢) اليومَ ظلمُ ظالمٍ» (¬٣).
وكأنَّ نداءه لآدم «يا آدمُ، قُمْ فابعَثْ بعْثَ النّار» (¬٤) بأُذُنه الآن، وكذلك نداؤه لأهل الموقف: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٦٥]، وماذا كنتم تعبدون؟
وبالجملة، فيشاهد بقلبه ربًّا عرَّفَتْ به الرُّسل كما عرّفت، ودينًا دَعَتْ إليه الرُّسل، وحقائق أخبرت بها الرُّسل. فقام شاهدُ ذلك بقلبه كما قام شاهدُ
---------------
(¬١) د: «بيده».
(¬٢) ش: «لا يجوزني».
(¬٣) أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (١٥٦)، وتمام في «فوائده» (٩٢٨) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -. وإسناده ضعيف.
(¬٤) أخرجه البخاري (٣٣٤٨)، ومسلم (٢٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

الصفحة 582