كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

ومن الجود به: أنّ السّائل إذا سألك عن مسألةٍ استقصيتَ له جوابَها شافيًا، لا يكون جوابك له بقدرِ ما تُدفع به الضّرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا «نعم» أو «لا»، مقتصرًا عليها.
ولقد شاهدتُ من شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك أمرًا عجيبًا: كان إذا سُئل عن مسألةٍ حكميّةٍ، ذكر في جوابها مذاهبَ الأئمّة الأربعة إذا قدَرَ عليه، ومأخذَ الخلاف، وترجيحَ القول الرّاجح، وذكر متعلّقاتِ المسألة التي ربّما تكون أنفعَ للسّائل من مسألته، فيكون فرحُه بتلك المتعلّقات (¬١) واللّوازم أعظمَ من فرحه بمسألته.
وهذه فتاواه بين النّاس، فمن أحبَّ الوقوفَ عليها رأى ذلك.
فمن جود الإنسان بالعلم: أنّه لا يقتصر على مسألة السّائل، بل يذكر له نظيرَها ومتعلَّقها ومأخذَها، بحيث يشفيه ويكفيه.
وقد سأل الصّحابة - رضي الله عنهم - النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن التَّوضِّي (¬٢) بماء البحر؟ فقال: «هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ مَيتتُه» (¬٣). فأجابهم عن سؤالهم، وجاد عليهم
---------------
(¬١) ل: «التعلقات».
(¬٢) كذا في النسخ بالياء مصدر «توضَّيتُ»، وهي لغة كما في «تاج العروس» (١/ ٤٩٠)، وشائعة عند الفقهاء في كتبهم. واعتبرها بعضهم لحنًا، انظر: «درة الغواص» (ص ٢٦٣)، و «تصحيح التصحيف» (ص ١٩٦).
(¬٣) أخرجه أحمد (٧٢٣٣)، وأبو داود (٨٣)، والترمذي (٦٩)، والنسائي (٥٨)، وابن ماجه (٣٨٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وصححه الترمذي وابن خزيمة (١١١) وابن حبان (٤٣٢٧، ٥٨١٥) والحاكم (١/ ١٤١) وغيرهم.

الصفحة 7