كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

بما لعلَّهم في الأحيان (¬١) إليه أحوجُ ممّا سألوه عنه.
وكانوا إذا سألوه عن الحكم نبَّهَهم على علّته وحكمته، كما سألوه عن بيع الرُّطَب بالتّمر؟ فقال: «أيَنقُصُ الرُّطَب إذا جَفَّ؟»، قالوا: نعم. قال (¬٢): «فلا إذَنْ» (¬٣). ولم يكن يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - نقصان الرُّطب بجفافه، ولكن نبَّههم على علّة الحكم. وهذا كثيرٌ جدًّا في أجوبته - صلى الله عليه وسلم -، مثل قوله: «إن بِعتَ من أخيك ثَمَرًا فأصابتْها جائحةٌ، فلا يحلُّ لك أن تأخذ من مال أخيك شيئًا، بِمَ يأخذُ أحدكم مالَ أخيه بغير حقٍّ؟» (¬٤). وفي لفظٍ: «أرأيتَ إن منعَ الله الثّمرة بِمَ يأخذ أحدكم مالَ أخيه بغير حقٍّ؟» (¬٥)، فصرّح بالعلّة التي يَحرُم لأجلها إلزامُه بالثّمن، وهي منعُ اللهِ الثّمرة الذي (¬٦) ليس للمشتري فيه صنعٌ.
وكان خصومه (¬٧) يعيبونه بذلك، ويقولون: يسأله السّائل عن طريق مصر مثلًا، فيذكر له معها طريق مكّة والمدينة وخراسان والعراق والهند، وأيُّ حاجةٍ بالسّائل إلى ذلك؟
---------------
(¬١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «في بعض الأحيان». ولا داعي للزيادة.
(¬٢) ل: «فقالوا: نعم، فقال».
(¬٣) أخرجه أحمد (١٥١٥)، وأبو داود (٣٣٥٩)، والترمذي (١٢٢٥)، والنسائي (٤٥٤٥)، وابن ماجه (٢٢٦٤) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. وصححه الترمذي وابن حبان (١٩٠٧، ٥٦١٦) والحاكم (٢/ ٣٨، ٣٩).
(¬٤) أخرجه مسلم (١٥٥٤) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.
(¬٥) أخرجه البخاري (٢١٩٨)، ومسلم (١٥٥٥) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(¬٦) ل: «التي». والمثبت من النسخ الأخرى، و «الذي» صلة للمنع.
(¬٧) يعني شيخ الإسلام ابن تيمية.

الصفحة 8