كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
فيحدُّه على الشّراب، كيف قامت به قوّةُ إيمانه ويقينه، ومحبّته لله ورسوله، وتواضعه وانكساره لله، حتّى نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لعنته (¬١).
فظهر بهذا أنّ طغيان المعاصي أسلمُ عاقبةً من طغيان الطّاعات.
وقد روى الإمام أحمد في كتاب «الزُّهد» (¬٢) أنّ الله سبحانه أوحى إلى موسى - صلى الله عليه وسلم -: يا موسى، أَنذِر الصِّدِّيقين، فإنِّي لا أضعُ عدلي على أحدٍ إلّا عذَّبتُه من غيرِ أن أظلمَه، وبَشِّرِ الخطّائين، فإنّه لا يتعاظمني ذنبٌ أن أغفره.
فلنرجع إلى شرح كلامه.
فقوله: (مكاشفةٌ تدلُّ على التّحقيق الصّحيح)، كلٌّ يدّعي أنّ التّحقيق الصّحيح معه.
وكلٌّ يدَّعُون وصالَ ليلى ... ولكن لا تُقِرُّ لهم بذاكا (¬٣)
وليس التّحقيق الصّحيح إلّا المطابق لما عليه الأمر في نفسه، وهو في العلم: الكشفُ المطابق لما أخبرتْ به الرُّسل، وفي الإرادة: الكشفُ المطابق
---------------
(¬١) أخرج البخاري (٦٧٨٠) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضحِك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلَده في الشراب، فأُتِي به يومًا فأمرَ به فجُلِد، فقال رجل من القوم: اللهمَّ العنْه، ما أكثرَ ما يُؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ أنه يحبُّ الله ورسولَه».
(¬٢) رقم (٣٧٦). وفيه: «أوحى إلى داود: يا داود ... ». وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٥٧) من طريق أحمد.
(¬٣) أنشده المؤلف في «الرسالة التبوكية» (ص ٢٧)، والسبكي في «طبقات الشافعية» (٨/ ٢٢٢، ٩/ ٣٧). وهو من عائر الشعر الذي لم ينسب لقائل معيّن.