كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

فقد رأيتَ ورود كلِّ واحدٍ من الفرح والسُّرور في القرآن بالنِّسبة إلى أحوال الدُّنيا وأحوال الآخرة، فلا يظهر ما ذكرَه من التّرجيح.
بل قد يقال: التّرجيح للفرح، لأنّ الرّبّ تبارك وتعالى يوصَف به، ويُطْلَق عليه اسمه دون السُّرور، فدلّ على أنّ معناه أكمل من معنى السُّرور، وأمر (¬١) به في قوله: {وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ} [يونس: ٥٨]، وأثنى على السُّعداء به في قوله: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٧٠].
وأمّا قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}، وقوله: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}، فعدَل إلى لفظ السُّرور لاتِّفاق رؤوس الآي. ولو أنّه ترجم البابَ ببابِ الفرَح، لكان أشدّ مطابقةً للآية التي استشهد بها، والأمر في ذلك قريبٌ، فالمقصود أمرٌ وراء ذلك.

قال (¬٢): (وهو في هذا الباب على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: سرورُ ذوقٍ ذهبَ بثلاثة أحزانٍ: حزنٌ أورثَه خوفُ الانقطاع، وحزنٌ هاجَتْه (¬٣) ظلمةُ الجهل، وحزنٌ بعثَتْه (¬٤) وَحْشةُ التّفرُّق).
لما كان (¬٥) السُّرور ضدَّ الحزن (¬٦) لا يُجامِعُه كان مُذهِبًا له. ولمّا كان سببه ذوق الشّيء السّارِّ، فكلّما كان الذّوق أتمّ كان السُّرور به أكْمَل.
---------------
(¬١) ت: «وأمر الله».
(¬٢) (ص ٨٤).
(¬٣) ت، ط: «هاجمته».
(¬٤) في «المنازل»: «أغشتْه». والمؤلف صادر عن «شرح التلمساني» (٢/ ٤٦٩).
(¬٥) «لما كان» ليست في ت، ط.
(¬٦) ت، ط زيادة: «والحزن».

الصفحة 12