كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

وهذا السُّرور يُذهِب ثلاثةَ أحزانٍ.

الحزن الأوّل: حزنٌ أورثَه خوفُ الانقطاع، وهذا حزن المتخلِّفين عن رَكْب الجنة (¬١)، ووفد المحبّة، فأهل الانقطاع هم المتخلِّفون عن صحبة هذا الرّكب وهذا الوفد، وهم الذين {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦] فثبّطَ عزائمَهم وهِمَمَهم أن تسير إليه وإلى جنّته، وأمَر قلوبَهم أمرًا كونيًّا قدريًّا أن تقعد مع القاعدين المتخلِّفين (¬٢).
فلو عاينتَ (¬٣) قلوبَهم حين أُمِرَتْ بالقعود عن مرافقة الوفد، وقد غمرَتْها الهمومُ، وعقدَتْ عليها سحائبُ البلاء، وأُحْضِرت كلّ حزنٍ وغمٍّ، وأمواجُ القلق والحسرات تتقاذف بها، وقد غابت عنها المسرّات، ونابت (¬٤) عنها الأحزان= لعلمتَ أنّ الأبرار في هذه الدّار في نعيمٍ، وأنّ المتخلِّفين عن رُفقتهم في جحيمٍ.
وهذا الحزن يَذهَبُ به ذوقُ طعم الإيمان، فيذوق التصديق (¬٥) طعمَ الوعد الذي وُعِد به على لسان الرّسول، فلا يعقله (¬٦) ظنٌّ، ولا يقطعه أملٌ،
---------------
(¬١) ت، ر، ط: «ركب المحبين».
(¬٢) بعده في ت، ط زيادة: «عن السّعي إلى محابِّه».
(¬٣) غير محررة في د.
(¬٤) د: «بانت».
(¬٥) ت، ر، ط: «فيذيق».ش، ت، ر: «الصديق»، وقد تقدم في المنازل في منزلة الذوق ص ٧٩ نحو هذه العبارة، فاستأنسنا بها في القراءة.
(¬٦) ش، د: «يغفله»، تصحيف. وقد سبق على الصواب في كلام الهروي في منزلة الذوق.

الصفحة 13