كتاب مدارج السالكين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
فصل
قال شيخ الإسلام (¬١): (باب المعاينة: قال الله تعالى: {(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} [الفرقان: ٤٥]).
قلت: المعاينة مفاعلةٌ من العِيان، وأصلها من الرُّؤية بالعين، يقال: عاينَه إذا وقعت عينُه عليه، كما يقال: شافَهَه إذا كلَّمه شِفاهًا، وواجَهَه إذا قابله بوجهه. وهذا مستحيلٌ في هذه الدّار أن يظفر به بشرٌ.
وأمّا قوله تعالى: {(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} فالرُّؤية واقعةٌ على نفس مدِّ الظِّلِّ، لا على الذي مَدَّه سبحانه، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: ١٥]، وقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١]. فهاهنا أوقع الرُّؤية على نفس الفعل، وفي قوله: {(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} أوقعَها في اللّفظ عليه سبحانه، والمراد فِعْلُه من مدِّ الظِّلِّ، وهذا كلامٌ عربيٌّ بيِّنٌ معناه، غير محتملٍ ولا مجملٍ، كما قيل في العُزّى: كُفرانَكِ اليومَ لا سبحانَكِ، إنِّي رأيتُ الله قد أهانكِ (¬٢).
وهو كثيرٌ في كلامهم، يقولون: رأيتُ الله قد فعلَ كذا وكذا، والمراد رأيتُ فعْلَه. فالعيان والرُّؤية واقعٌ على المفعول، لا على ذاتِ الفاعل وصفتِه ولا فِعْلِه القائم به.
---------------
(¬١) «المنازل» (ص ٩٤).
(¬٢) قاله خالد بن الوليد عندما واجهها، ثم ضربها وفلق رأسها، كما في كتاب «الأصنام» لابن الكلبي (ص ٢٥ - ٢٦)، و «تلبيس إبليس» (ص ٥٣ - ٥٤)، و «إغاثة اللهفان» (٢/ ٩٦٥).